اتخذ الأردن الموقف الصحيح برفض استقبال موجة لجوء جديدة من سورية. وانقسمت ردود الفعل عندنا بين مؤيد ومعارض، لكن حملة "افتحوا الحدود" التي نشطت على مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن بريئة تماما، وبعض الأوساط تحركت بأجندة سياسية معينة ضغطت من أجل فتح الحدود، هذا مع تقديرنا أن كثيرين اندفعوا بمشاعر خالصة من التعاطف الإنساني والنخوة تجاه الأهل والأشقاء في درعا والجنوب السوري، وقد تجلت هذه المشاعر بأجمل صورة في حملة المساعدات الشعبية للأشقاء المنكوبين الى جانب تحريك الجيش العربي لقوافل النجدة الإنسانية الى الداخل السوري.
موجة اللاجئين الجديدة تختلف في نوعها وظروفها عن الموجات السابقة. هذه المرة سنكون أمام إزاحة سكانية مركزة ضمن مخططات التعديل الديموغرافي التي وقعت في مناطق أخرى مع تبدل الجهة المسيطرة على المنطقة، والفارق هذه المرة أن السكان لا يفرون الى منطقة سورية مقابلة بل الى الأردن، ولنتخيل لو تم فتح الحدود فأي تشجيع وأي تسهيل لهذه العملية التي يسهم بها كلا الطرفين؛ النظام والمعارضة، فالمعارضة (بتلاوينها المختلفة) ستكون في اللجوء مع قاعدتها الأساسية والنظام يتحرر من هذه القاعدة.
إذا نظرنا أبعد من الجانب الإنساني، فإن الأردن وقف بالضبط الموقف الوطني والقومي الصحيح برفض تسهيل هذه العملية الكارثية وتيسيرها وتحمل توابعها عن الأطراف الداخلة في الصراع، ومن أخذتهم الحمية الإنسانية لم يفكروا مليا في هذا البعد، وهذا قبل أن نتحدث عن تداعيات استضافة كتلة من البشر قد تصل الى أكثر من مائتي ألف لاجئ دفعة واحدة في بقعة محدودة.
سياسيا وإنسانيا، أخذ الأردن الموقف الصحيح بوضع الأطراف المتصارعة والنظام أولا أمام مسؤولياتهم تجاه السكان، وهذا الموقف يلعب دورا ضاغطا من أجل أخذ حياة المواطنين وظروفهم بالاعتبار، بينما تتقدم آلة الحرب في المناطق السكنية. وسيكون أمام القوى الكبرى والمجتمع الدولي مسؤولية الضغط لكي تعدل القوى المتصارعة سلوكها بدل تركها وشأنها والميل على الأردن لإنقاذ الموقف على حسابه وعلى حساب حق المواطنين في الأمن في بيوتهم وموطن آبائهم وأجدادهم.
وبدل عبور الحدود ونصب مخيمات طارئة جديدة في الأردن، لم لا تنصب مخيمات طوارئ في الجانب السوري من الحدود تحت رعاية الأمم وتتحمل جميع الأطراف مسؤولية أمنها وتزويدها بالاحتياجات، والأردن سيكون حاضرا لتقديم كل إسناد ممكن، وكيف يمكن أن يطلب من الأردن أن يستقبل موجة جديدة من اللجوء بعد تجربته المرة مع برنامج الاستجابة الذي لم يلبّ المجتمع الدولي إلا الجزء اليسير من التزاماته المتفق عليها.
وبالمناسبة، فإن الموقف الذي يتخذه الأردن الآن هو حرفيا ما طالبت به دائما؛ أي الضغط من أجل مناطق آمنة تقام عليها المخيمات داخل الحدود السورية للنازحين من جحيم الحرب، والآن فإن ثمة أسبابا سياسية إضافية مباشرة تخص الجنوب السوري تستدعي هذا الموقف. وما أزال أفكر لو أن الأردن تشدد أكثر إزاء فتح الحدود للاجئين منذ البداية، هل كان سينجح في دفع المجتمع الدولي لتبني مشروع المناطق الآمنة والمخيمات داخل سورية؟! طبعا المجتمع الدولي كان يفضل كثيرا الحل المريح باستضافة الأردن وتحميله الكلفة الأمنية والاجتماعية واستهلاك البنية التحتية، وفي النهاية، كما حصل لاحقا، أن يفتح سوق العمل للاجئين. والآن فوق المبررات السياسية المذكورة آنفا، هل يعقل أن يعود الأردن الى نقطة الصفر في الموضوع بينما اللعبة تشهد فصولها الأخيرة؟!
الغد