المجتمع المدني حين يقرأ من الكتاب الخطأ
رومان حداد
02-07-2018 12:42 AM
تحرك بعض مؤسسات المجتمع المدني إلى مربع التأزيم مع الدولة عموماً بسبب السوريين الموجودين على الجانب الآخر من الحدود الأردنية يبدو سلوكاً بعيداً عن المنطق ووليد قراءة خاطئة ومضللة، هذا ما يظهر من التعليقات وآراء بعض
قيادات المجتمع المدني، الذين لا يرون ما فعله الأردن في السنوات الماضية وما تحمله الأردن من أعباء، بل يحاكمون القرار الرسمي الأردني بصورة بعيدة عن الحساسية السياسية والمعادلات المعقدة للمنطقة.
ويرى هؤلاء أن ثمة معركة مفتوحة مع الدولة الأردنية ومن المسموح فيها استخدام جميع الوسائل للوصول إلى مطلبهم المنشود وهو السماح للسوريين بالدخول إلى الأردن، وهم بذلك يشكلون ضغطاً كبيراً على الأردن من الداخل، بالإضافة لمجموعة الضغوط التي يتعرض لها الأردن خارجياً، وهو ما قاله نيكولاس هيراس، خبير شؤون الشرق الأوسط في مركز (الأمن الأميركي الجديد) في واشنطن، وكبير المحللين في مؤسسة (جيمس تاون)، حيث أكد على أن التحدي الأكبر الذي يواجهه الأردن هو ضغوط المجتمع الدولي عليه للسماح بإدخال المزيد من اللاجئين.
من الواضح أن من يمارسون الضغوط الداخلية على الأردن يقرؤون السطر الخطأ في الصفحة الخطأ في الكتاب الخطأ، فما بين أيديهم من إرشادات وتعليمات لكيفية الضغط على الدولة والنظام كتب على عجل ولم يتم تدقيقه أو تنقيحه بعد، ومن الخطأ الاقتباس منها، إلا إذا أراد ربيبو التمويل الأجنبي أن يتحولوا إلى حالة دراسية لأسباب فشل (صبيان التمويل الأجنبي) في دولة تعرف ما تفعل ولا تهدر مصلحتها الوطنية العليا.
على المجتمع المدني الأردني العودة إلى حالة الهدوء والاتساق مع الذات وقراءة المشهد بعيون أردنية، والعودة إلى (كراريس) الوطنية الأردنية التي تتحدث عن دور الدولة الأردنية في حماية مصالحها العليا، والمكتوبة بأحرف عربية قادرة على نقل بعض المصطلحات الأردنية الخاصة في السياسة والاجتماع، ونتاج خبرة حقيقية تراكمت مع مرور الأيام، وحين يضبطون كلامهم على ما هو مكتوب في هذه (الكراريس) سينطقون اللفظ الصحيح دون اعوجاج أو تشديد في غير مطرحه.
ثمة حقائق لا يجوز القفز عنها حين يُقرأ المشهد الأردني، من أهمها أن ما قام به الأردن من استقبال للاجئين السورين ولكثير من العرب قبلهم في مراحل مختلفة من تاريخ الدولة الأردنية منذ تأسيسها، وكل ما حدث كان بإرادة الدولة والنظام وليس رغماً عنهما، ولم يكن ذلك تحت ضغط المجتمع المدني أو جهات خارجية.
قد يبدو للوهلة الأولى أن ما يقوم به بعض المنتمين للمجتمع المدني يقوم بأساسه على بعد إنساني أخلاقي، ولكن في حقيقة الأمر أن هذا المجتمع المدني يرى في وجود أعداد جديدة من اللاجئين أنها فرصة له لبناء مشروعات تحظى بدعم مالي غربي يوجه لمؤسسات المجتمع المدني لمساعدة اللاجئين، كما حصل مع بدايات الأزمة السورية، حيث تدفقت التمويلات الغربية بصورة كبيرة على كثير من مؤسسات المجتمع المدني الإغاثية وغير الإغاثية، بصورة أغنت القائمين على هذه المؤسسات.
وقد قامت الكثير من هذه المؤسسات بتشويه الدور الأردني الرسمي في تقاريرهم الدولية ومن خلال علاقاتهم مع أسيادهم الغربيين، بغية الحفاظ على فرصهم بالحصول على تمويلات أجنبية، وهم من أساؤوا كثيراً لصورة الأردن في الخارج ولما قدمه للاجئين السوريين.
براغماتياً تواطأ طيف من مؤسسات المجتمع المدني ومراكز صنع القرار الغربي على القبول بالضغط على الدولة الأردنية لفتح حدودها أمام السوريين، ولكن هذه الخطوة تبدو وكأنها خطوة الزاوية الحرجة في العلاقة بين المجتمع المدني والدولة، وهو ما ينبئ أن المجتمع المدني، الذي تخلى عن مفهوم المصلحة الوطنية العليا مقابل حفنة من الدولارات واليوروات، مقبل على امتحان صعب عليه أن يجتازه، وغالباً سيفشل به.
قد يرى البعض أن السؤال الصعب هو هل الحالة السياسية الأردنية جاهزة لتحمل الضغوط الخارجية والداخلية عليها، ولكني أرى أن السؤال الأصعب هو هل المجتمع المدني أنفسهم جاهزون للعب دورهم للنهاية، بما فيه من ضرب للمصالح الأردنية العليا عرض الحائط؟
أظنه التوقيت المناسب الآن كي يدخل المجتمع المدني مرحلة (المراجعات) لتقييم مساره في الفترة القصيرة الماضية، وحين نتكلم عن (المراجعات) فإننا ما زلنا نثق أن المجتمع المدني يملك حكماء وطنيين قادرين على الرؤية من دون (زوغان) وعلى تقدير الموقف بميزان المصلحة الوطنية العليا، وبالطبع قادرين على النطق بالحق ليكون قولهم هو القول الفصل، أما إذا فقد المجتمع المدني قدرته على إحداث مثل هذه (المراجعات) فإنه يكون قد دخل مرحلة الجمود الذي يقود للتسلط، ويصير السؤال الملح هو هل المجتمع المدني بحالته الحالية قادر على أن يكون جزءاً من اللعبة، أم أنه فقد تميزه ومبرر وجوده؟
الرأي