ماذا يفعل الرعيان هذه الأيام ، ربما طالتهم البطالة ، تعالوا معي في أعالي تلال العالوك ، حيث يلامس القمر هناك رؤوس شجر البلوط كل مساء، هنا يغفو الغيم على صوت الأمهات ، وتستيقظ الشمس على صوت كفوفهنّ وهُنّ يشعلنّ النار تحت صاج الخبز ..
تعالوا أيها الأنقياء من أبناء بلادي ، من بقي منكم وقد إنقرضت البلاد وذهبت "الشياة" والغنم وحبسوها في المزارع، وقد جفتّ المراعي وإستبدلوها بالعلف المستورد .
أين يذهب الراعي كل صباح وقد باع خرافه ونايه وجلس في ظل البيوت ينتظر الدور لنجنده في الأمن أو الدرك ، بعدما كان ملكا يحكم المراعي وجيشا من الغنم هاهو يقف حارسا على سفارة ، وينتظر الإجازة والراتب نهاية كل شهر .
تعالوا أيها الرعيان أحدثكم عن هذي البلاد ، عن مواسم الحصاد والقمح والشعير والعدس في "فرع غفلان " و" سفح هندي" و"الشنقارة" وفي مروج "المسرّة" ... تعالوا أحدثكم عن حسين المطر " دستور من خاطره " كيف يفتح بيته كل ليلة جمعة لأصحاب الأوجاع فببركة يديه وزيته المقروء عليه يعودون بالشفاء مسرورين ، تعالوا أحدثكم عن الزيتون والتين الذين زرعوه هنا قبلما تذهب هذه الموارس ، وتزرع بالفلل والحجر الأبيض والكرميد ، وكيف نشف ومات المشمش والدوالي في الكروم .
تعالوا أيها الرعاة الطيبون وأشعلوا نارا على ما تبقّى من حطب البلاد لعلنا نشرب شايا دافئا ، وأكثروا من السّكر فمرارة الأيام ذابتْ في حلوقنا ..
تعالوا أروي لكم حكايات عن إحميدان وحامد الفقير وعن معسكر العبدلي وصرفند ، وعن معارك القدس والإنجليز ، عن بطولات حابس المجالي واليهود ، عن المدفعية السادسة في الكرامة ، وعن عطالله غاصب الذي أصيب وهو قائد فرقة عندما دخل الجيش السوري حدودنا الشمالية ذات أيلول ..
تعال يا صديقي الراعي أنتَ ، نعم أنتَ ، وأعزف على الناي ، وأحكم أصابعك على الثقوب ، فكل الأصابع لا تكفي لرتق القلوب ، تعال وغنّي ، هل تعود المزيونات والورّادات على عين الماء ، فثمّة من مرّن من هنا شربن من الماء، ولكن لم يرتوي القلب منهنّ بعد.
تعالوا أقرأ لكم من شعر حبيب الزيودي ، وهو الذي سكن قلبهُ حبّ الوطن حتى قتله مبكرا ، حبيب الذي غنّى قصائده وقطّرها وجعا للرعاة وللعاشقين وللفرسان ولغيم العالوك وللعسكر وللقهوة ولمنازل أهله التي ذهبت .
حديث الرعيان لا ينتهي ، ذهب كل شيء في القرى والمراعي ، إلا أبطال الحكايات والذكريات الطيبة ، تعالوا ولا تذهبوا ، فكل اللواتي حلفنَ لم يصدقنّ ، وكل الذين ذهبوا لم يعودوا وخانوا الوعود .