حين يقول طاهر المصري رئيس الوزراء الاسبق، ان زيارة الملك الى واشنطن، هي الاخطر قاطبة، فهو يكثف الحقيقة ببضعة كلمات، لان الزيارة تأتي بعد ايام من استقبال جاريد كوشنير في الاردن، ورئيس الحكومة الاسرائيلية، والمستشارة الالمانية، وفي ظلال التوقيت معلومات تتسرب حول صفقة القرن، وهي معلومات ليست جديدة تماما، لكن تسريبها اشتد هذه الايام.
المعلومات المتسربة، متناقضة، واحيانا تلتقي في بعض البنود، بخصوص تسوية القضية الفلسطينية، لكن المشترك بين كل التسريبات، ان الحل الاميركي، سيكون على حساب الفلسطينيين ثم الاردنيين، والضرر سوف يقع بشكل كبير على الطرفين لاعتبارات كثيرة، فوق ما فيهما من حال صعب.
كل المسؤولين في الاردن وقبيل زيارة واشنطن، اعادوا تأكيد الثواب الاردنية، بخصوص، القضية الفلسطينية، وتحديدا الكلام عن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
المشكلة تكمن هنا في امكانات التأويل السياسي، فالاميركان من جهتهم يسربون معلومات متناقضة، والتصريحات الرسمية في عمان، تطرح عموميات، ولا تدخل في التفاصيل، حول المقصود بالقدس الشرقية ومساحتها، واين الحرم القدسي منها، ومساحة الدولة الفلسطينية، وتبادل الاراضي اذا كان محتملا، وملفات اللاجئين، وحق العودة، وغير ذلك من قضايا حساسة.
ما يراد قوله هنا، الحاجة الى بيان اردني تفصيلي، بعد زيارة واشنطن، حول القضية الفلسطينية، بيان يتطرق الى كل ما يتعلق بصفقة القرن، او ما يريده الاميركيون، او على الاقل شرح موقف الاردن بشكل تفصيلي بخصوص الملفات مثل اللاجئين والعودة، التعويضات، مساحة القدس الشرقية، الحرم القدسي، مساحة الدولة الفلسطينية، ملف الضفة الغربية وغزة، غور الاردن، اي دور اردني محتمل سياسيا او اداريا، وغير ذلك من تفاصيل، بما في ذلك موقف الاردن، من اي صيغ وحدودية لاحقة، بين الاردن واي دولة فلسطينية ستقوم، واشتراطات الاردن لشكل ومساحة هذه الدولة، من زاوية اي حل وحدوي، حتى لاتكون الدولة الفلسطينية، مجرد «شكل وهمي» للوصول الى الاندماج الوظيفي.
سواء اعلنت واشنطن وصفتها للحل السياسي، او تراجعت عنه، فنحن في كل الاحوال امام ظرف حساس، خصوصا، ان المصارحة تقودنا الى حقيقة اخطر، حول قدرة العرب جميعا، بلا استثناء على صد اي حلول اميركية، خصوصا، ونحن نرى ان واشنطن تستثني اوروبا وروسيا والصين، من حلولها، وتتحدث بنبرة سلبية فوقية عن وصفة الحل التي بيدها، وتصل حد استثناء السلطة الوطنية الفلسطينية من هذا الحل، وتتصرف على اساس ان لا احد من العرب قادر على منعها.
لا تقول لنا واشنطن كيف ستنفذ حلها، اذا كان الفلسطينيون، حصرا، والاردنيون ايضا، باعتبارهم الاكثر تأثر بالملف الفلسطيني يرفضون اي حلول على حسابهم، مثلما ندرك من جهة اخرى، ان صد اي حل سيكون مكلفا، ولن تتورع واشنطن عن تجفيف اقتصاديات الفلسطينيين والاردنيين، وجعلهم يدفعون ثمن اي رفض، في سياقات تقول اساسا، ان الوضع في الضفة الغربية والاردن، لا يحتمل اساسا، اي عقوبات اقتصادية غير مباشرة، عبر وقف المساعدات او تخفيفها او تجفيفها كليا.
ما يمكن ان يقال اليوم، ان الناس بحاجة الى مصارحة، ومكاشفة، سواء قبل اعلان تفاصيل هذه التسوية السياسية، او بعدها، وسواء تمت، او لم تتم لا بد من المصارحة، خصوصا، بعد زيارة واشنطن، اذ يكفي ان يبقى البلد على اعصابه، متوجسا، خائفا، منتظرا مفاجآت قد تؤدي لا سمح الله الى اعادة خلط الاوراق في الداخل الاردني، الذي تبقى قوته مهمة جدا، لمواجهة المستقبل.
الدستور