لا أشك أن محاضرة دولة طاهر المصري في جمعية الشؤون الدولية محاضرة قدمها صاحبها برؤية السياسي والوطني والناقد نقد الخائف والمحب الذي لا تنقصه الصراحة ليسمع المسؤول إذ الأمر جد لا هزلا" ولا لعبا" من زوايا عديدة . فالثلاثون من أيار يوم خرج الشعب ليعلن بملء فيه ( كفاية ) أردنية راقية وواعية أكثر من وعي حكومة الموظفين التي تردد ما يقال لها دون فهم لحركة التاريخ ولا دراية بعلم النفس والاجتماع ولا سنة البركان الشعبي الذي تتحول أمامه الحكومة الى مجرد عيدان وحصى يجرفها دون انتظار . ماطلت الحكومة وكادت تشعل بنا أزمة مع سوريا عبر ناطقها الاعلامي الذي لم يعلن عن هوية المندسين ولم يقم بمحاسبتهم بل قال ما قيل له تماما" مثل الناطق يوم محاولة اغتيال خالد مشعل حيث قال ( طوشة بين اثنين ) ! ونسي الناطق الاعلامي انه بهذا الاتهام يوجه أصابع العمالة لكل من كان على الدوار الرابع بمن فيهم حفيدتي ابنة الحضانة !!.
تناول المصري في المحاضرة بأسلوبه الدبلوماسي الأداء الضعيف للحكومة وصمها الآذان عن الاستماع بل كانت تتحدى صيرورة التاريخ عبر وزير المالية وتقديرات رئيس الوزراء بأنها احتجاجات عابرة ولا يجوز للحكومة ان تتراجع مما خلق تحديا" مقابلا" عند المعتصمين والنقابات .
تحدث المصري عن صم الأذن وعن التغيير الجذري في المنهج إذ ظرف جوائز الترضية وإحالة العطاءات السياسية على عائلات بعينها لم يعد مقبولا" فالمرحلة الحالية هي أخطر ما مر على الأردن في كل تاريخه لسببين :
السبب السياسي وعنوانه صفقة ( أو صفعة ) القرن قادمة ومؤشرها الأول وجود ترمب الذي هو خاتم واضح بيد الصهاينة وقد رأينا نقله السفارة الى القدس في تحد للعالم وللمسلمين وللعرب وللفسطينيين وللأردن بل شخص جلالة الملك الوصي على المقدسات !! .
السبب الاقتصادي حيث المديونية وشروط صندوق النقد وتوصياته التي توجه نحو الضرائب وجيوب الناس في تجاهل من الحكومة وعدم فهمها أن المحلوب لا يحلب !!.
هذان السببان في رأي المصري يجعلان الأردن في مأزق حقيقي فلا هو قادر على المواجهة ، ولا هو مستطيع لتقديم التنازل التاريخي لصفعة القرن فماذا هو فاعل ؟
في رأيي إن أهم ما دعا اليه المصري بعد الوصف الدقيق هو ضرورة تغيير المنهج وليس الأشخاص لأن الذين خرجوا في الاعتصام غير المسبوق لن يرضوا بتغييرات شكلية لا تمس النهج الذي عشنا عليه في كل وقتنا السابق ، في تحذير واضح أن القضية قد تخرج عن السيطرة اذا عادت الدولة لسياسة صم الآذان .
وبدوري أشد على يد دولة طاهر المصري في هذا الكلام وأضيف إنني غير متفائل بالحكومة الجديدة فالمعتصمون وإن غادروا الدوار الرابع لكنهم لم يغادروا المطالب بتغيير النهج والدليل الحكومة الجديدة والنقد الحاد الذي تعرضت له لأنها خيبت الآمال من أول يوم ولأن الرئيس المكلف لم يطرح برنامجا" يتناسب مع الدوار الرابع بل تحدث عن قضايا فرعية رغم أهميتها لكنها ليست ضمن منظومة حكومة التغيير المنهجي .