اللامركزية هي الهدف والعنوان المقبل
بسام حدادين
07-05-2009 06:34 AM
خرجت من لقاء جماعي في حضرة الملك قبل شهرين تقريبا وانا اقول لكل من حدثته عن اللقاء، ان الملك استعمل تعبير اللامركزية في حديثه عن مشروع الأقاليم، وأسهب في شرح الفكرة بحماسة وربطها بالاصلاح وعدالة التنمية من دون أن يرد على لسانه ولو لمرة واحدة تعبير "الاقاليم".
وبعد هذا اللقاء بأقل من اسبوع، زار جلالة الملك مبنى رئاسة الوزراء وتحدث للحكومة عن مشروع "اللامركزية" ولم يستعمل قط تعبير الاقاليم. بينما تحدث رئيس الوزراء في نفس اللقاء امام الملك عن "الاقاليم" وتوصيات اللجنة الملكية الخاصة بالاقاليم.
جلالة الملك تصرف بديمقراطية كاملة مع توصيات اللجنة الملكية للأقاليم وطلب من الحكومة "دراستها" مع البرلمان والوصول إلى النتائج المرجوة التي تقوم على اللامركزية في الإدارة وإشراك المواطنين في اتخاذ القرارات الخاصة في مناطقهم وتحقيق العدالة في التنمية.
حكومة البخيت وضعت "المشروع" والتوصيات على الرف، وعبرت عن معارضة صامتة للمشروع. افصح عنها د. البخيت بعد ان غادر رئاسة الحكومة.
اما حكومة الذهبي فقد ترددت، وبعد الاهتمام الذي أظهره الملك في المشروع ونقده المعلن للتلكؤ والمماطلة في اخذ المشروع على محمل الجد، اندفعت الحكومة بحماسة للأخذ بكامل توصيات اللجنة الملكية من دون ان تفتح حوارا وطنيا حولها اي "دراستها" بتعبير الملك.
هذه الممانعة والتلكؤ، مضافا اليهما الطريقة التي عملت فيها اللجنة الملكية للاقاليم، المتشكلة اساسا من شريحة واحدة من الطبقة السياسية الحاكمة. حيث اختارت اللجنة، العمل في غرف مغلقة، ولم تفتح حوارا وطنيا حول المهمة "الوطنية" المكلفة في تقديم توصيات بشأنها.
وتصرفت اللجنة بتكتم شديد مع التوصيات وكأنّها "اسرار دولة" ولم يطلع الرأي العام على توصياتها حتى بعد ان رفعت الى الملك وتسلمتها الحكومة. إلى أن تم تسريبها للاعلام من "فاعل خير" بعد اشهر طويلة وبعد ان احتدم النقاش حول "المشروع" وظلت توصيات اللجنة يتيمة، لا تجد من يدافع عنها، لا من الحكومة ولا من اعضاء اللجنة.
وفي الظل كانت تعمل وزارة الداخلية في عهد الوزير عيد الفايز على تصور خاص لمشروع الاقاليم، وجرى البناء على مشروع اللامركزية، الذي بدأ به الوزير الأسبق للداخلية سمير الحباشنة.
واستندت فكرة وزارة الداخلية على اعتماد المحافظة كوحدة ادارية- تنموية مع توسيع صلاحيات المحافظ، و"تشكيل" مجالس محافظات من ممثلين عن القطاعات المختلفة.
وظهرت وزارة الداخلية في عهد حكومتي البخيت والذهبي، وكأنها تعارض توصيات اللجنة الملكية للاقاليم وكانت في ذلك كما يبدو تعبر عن مزاج دوائر اخرى لصنع القرار وسهل "عنادها" مزاج رؤساء الحكومتين.
اندفاعة حكومة الذهبي بتبني حرفي لتوصيات لجنة الاقاليم، جاء متأخرا جدا، وبعد ان سيطر مزاج الرفض لفكرة "الاقاليم" على مزاج الغالبية في الرأي العام، التي تأثرت بطروحات وأقاويل "المعارضات" التي تشكلت في مواجهة المشروع "اليتيم". ولم تجد نفعا محاولات الحكومة الحديث عن الانفتاح والحوار والاستعداد للتلاقي، فقد وقع المحذور وتشكلت ازمة الثقة وقد رصدت انواعا من "المعارضات" ابرزها:
- المعارضة الوطنية، التي رفضت فكرة تقسيم الوطن الى ثلاثة اقاليم "حرصا على وحدة الوطن وقوة الدولة والنظام".
- المعارضة العدمية، التي تعتبر ان الاردن يخضع للغرب في خدمة استراتيجيته لفك وتركيب المنطقة.
- المعارضة السياسية لأهداف سياسية اخرى، "رفض الوطن البديل والحفاظ على "نقاء" الدولة".
- المعارضة المحافظة، التي تخشى الجديد وترفض التغيير في قواعد اللعبة السياسية الداخلية. بعضهم كان يعلن التأييد ويضمر المعارضة.
وقد نجحت هذه "المعارضات" في تشكيل رأي شعبي عام "جافل" من المشروع، افتقد اليقين بنجاعته، مع حسابات "مناطقية" عن الفوائد والمضار الآنية، لعمليات الدمج والتبعية على ضوء تقسيمات الاقاليم.
هذه نتيجة منطقية لاستبعاد الناس وتغييبهم وتجاهل آرائهم وعدم الرد على استفساراتهم، في الوقت الذي كانت فيه "المعارضات" تسرح وتمرح وتحقن الرأي العام بمحاذيرها ومخاوفها وشكوكها واتهاماتها.
وقد اصبح واضحا لصاحب القرار ان المجتمع والدولة غير مهيئين للوصول الى توافق حول مشروع الاقاليم، الذي لا يعني بالضرورة الاخذ بتقسيمات اللجنة الملكية، لا من حيث عدد الاقاليم او عدد "الوحدات الادارية"، التي يمكن تجميعها لغايات خدمة اهداف المشروع اللامركزية والتنموية والديمقراطية.
وليس ابلغ من كلام الملك في لقائه الاخير مع شخصيات عامة في الديوان الملكي الاسبوع الماضي حيث اشار الى عملية التشويش والتفسيرات السياسية المغلوطة، بالاضافة الى استيائه المحق من الذين شاركوا في اقناعه في جدوى واهمية مشروع الاقاليم وانقلبوا عليه. جوهر فكرة الاقاليم ودوافعها، بلا شك وطنية واصلاحية، ارادها جلالة الملك للنهوض بالمملكة في كل مناطقها واشراك المواطن "ديمقراطيا" في اتخاذ القرار التنموي الخاص بمنطقته.
حواراتنا ذهب جلها لمناقشة التقسيمات الادارية المقترحة والغشاوة السياسية التي تكمن خلف الفكرة. ولم تنصب على البعد الاجتماعي والديمقراطي لعملية التحول التي يمكن ان ترافق تشكيل الاقاليم "يمكن الاتفاق على عددها وليس ما يمنع ان تكون خمسة او سبعة مثلا".
المهمة الاصلاحية والديمقراطية لم تتوقف ولابد من جهد لانضاج مفهوم"اللامركزية"، على مستوى المحافظات، التي اصبحت الهدف والعنوان المقبل.
bassam.haddadeen@alghad.jo