التعليم و الخيارات الصعبة
نايف الليمون
27-06-2018 11:50 AM
لقد كان التعليم في الاردن من أفضل ما نفاخر به و اهم الجوانب المشرقة التي ميّزتنا رغم شُح الموارد و تواضع الامكانات الا ان الإصرار على الاستثمار فيما هو متاح و جدّية الارادة و توقّد العزيمة على تجويد العملية التربوية التعليمية أدّت الى نجاحات مشهودة و ملموسة من خلال تقييم المخرجات و اختبار المنجزات .
وظلّت الخياراتُ و على مدار عقود في مجال التربية والتعليم تنحصر وتدور حول صنع الانسان المتسلّح بالتربية السليمة المتوازنة و بالعلم الذي يؤهل للمراحل اللاحقة من متابعةٍ للتحصيل العلمي او الانخراط في عجلة العمل والإنتاج ، وكان النجاح متواصلٌ برغم الظروف الصعبة التي لم تُتح توفير العوامل اللازمة لهذا النجاح وعلى رأس هذه العوامل الاهتمام بالمعلم اعدادا وتأهيلاً وتحسين ظروف معيشته بما يتلاءم و قدسية المهمة التي يؤديها ولنا في الدول المتقدمة والمتطورة خير دليلٍ ومثال ، ولم تتوفر لنا ايضا البيئة المدرسية المناسبة من أبنية و مرافق تجعل من تنفيذ الخطط والبرامج والفعاليات أمراً سهلاً و متيسراً ، ولكن ورغم ذلك كان الإصرار و كان الإخلاص و كان الصدق و كانت المتابعة أيضاً مما أدّى الى تلك النجاحات .
و أمّا اليوم فلربما تراجعت الخياراتُ التي تستثمرُ في الطالب إعداداً و تنشئةً و تربيةً متزنةً ، واصبح التعليم يتوزع بين القطاعين المتباعدين العام والخاص و اصبح التعليم كما الصحةُ وكما التوظيف و كما الامتيازات و الاستثناءات يخضع الى هذه الطبقية المقيتة و التقسيمات التي تُشكِّل عاراً و شناراً في جبين الانسانية ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين و العالم يتقدم باتجاه العدالة والمساواة وحقوق الانسان .
فالفقراء يواجهون الموت بظهورٍ مكشوفة وصدورٍ عارية ولا يُسعفهم التطبب اللازم في القطاع العام ولا التعليم المناسب في القطاع العام ناهيك عن الخذلان الرسمي لهم في أخذ في فرصهم في كل شؤون الحياة كما يأخذها الأغنياءُ والمتنفّذون و هذا اكبر المخالفات الدستورية والشرعية والإنسانية . وأما التعليم في القطاع الخاص المتدرّج كفاءةً وامكانيات مع تدرّج أهمية الموسرين والذوات فلم يستطع ايضا ان يُخرّجَ الطلاب الذين تتوازن فيهم القيم مع التعليم لان ذلك وببساطة ليس من أولويات القطاع الخاص الذي يحسب ربحه و نجاحه بالآلة الحاسبة فقط .
نتحسّرُ كثيرا عندما نطَّلع على نهج دولٍ كثيرة بعضها نامٍ وبعضها متطور مفاده العناية اللازمة والاهتمام بالتعليم والصحة لمواطنيها كأكثر الحقوق اولوية للإنسان فيها وسبيل لا بديل عنه للنهوض والتطور والرخاء . وبعض الدول لا تسمح أبداً ان تتقدم المدارس والمشافي في القطاع الخاص على مثيلاتها في القطاع العام ، فأين نحن منها وهل ذلك يقع ضمن طموحنا ولو حتى الاقتراب منه !
نحتاج اليوم الى حدٍّ لا اعتقد ان بالامكان ان يكون اقلَّ منه وهو ان نطمئن ان ابناءنا الذين اضطرتنا واضطرتهم الظروف والاحوال ان يكونوا على مقاعد المدارس الحكومية ، في بيئة ان لم يكتسبوا فيها شيئا إيجابيا و مفيدا ان لا يكتسبوا عكس ذلك ، الى ان يكون بالامكان رفع سقف الطموح والتمني .