في عملك , غالبا ما تصطدم بقرارات الحكومة , الموجودة في الدوار الرابع , والمخولة بحكم الدستور أن تدير شؤون العباد وتسير مصالح الناس ...
يوجد في المنزل حكومة أخرى أيضا , رئيستها الزوجة وأفرادها الأولاد , وهؤلاء قراراتهم أقسى من قرارات الرزاز , فأنت لا تستطيع أن تحدد نوع (الطبخة) , لابد من قرار جماعي ..وإذا تصادف موعد نشرة الأخبار مع المسلسل الكرتوني ( سلاحف النينجا) فعليك أن تتابع سلاحف النينجا , لأن ياسر سيبكي وإن بكى تذبحني دموعه من وريدي إلى وريدي .
وفي المقال أيضا يوجد حكومة , وصية عليك ..تحاول أن تفلت قليلا أن تسرح بالسطور وتأخذ منحنى اليسار, لكنك تتذكر أن هنالك رئيس تحرير يراقب كل شيء , وأنت تعرف في داخلك أن قلبك هو الذي يكتب ...وليست أصابعك , وأصعب أشكال الشمولية في قرارات الحكومات هي مصادرة غضبك ..وسيصادر المقال والغضب في المقال ..إن راح قلبك صوب اليسار ...وهذه حكومة أقسى من حكومة الرزاز , وأقسى من حكومة يكون القرار فيها دمع ..
وفي الكرك هنالك حكومة أخرى , فحين تقف أمام منزل والدك ساعة الغروب , وتعبر البنات ..وتتذكر أن كل ..وتمر واحدة منهن , ولحظة عبورها على نبض قلبك تفوح منها رائحة الياسمين , وتستنشق عمرك وليس هذا الجمال ولد بعد رحيلك , ..تسأل نفسك لحظتها لماذا يكبرن بسرعة ..والحقيقة هي أنك أنت الذي كبرت عطرها وتبتسم لك في فرح لكنها تطعنك في القلب تماما حين تقول لك : - ( مرحبا عمو) ...وتلك أبشع أنواع الحكومات , وأقساها تلك حكومة تغتالك وتعتقلك وتشنقك في نفس الوقت ...وأنا (أطبل) على كرشي قليلا وأدخل ..للمنزل وكلمة (عمو) تجلجل في داخلي تمنيت لو قالت لي : (مرحبا عبود) ..لكنها قالت عمو ...
في بلادنا ألف حكومة , وألف رئيس ..وأنت لا تملك من مساحات سوى أن تثور على نفسك فقط , وأنا ثرت على نفسي هذا اليوم ..وقررت أن أصبغ الشارب , تلك هي ثوراتنا تبدأ بصبغ الشارب وتنتهي أيضا بإعادة صبغ الشارب ...
لكني أعترف أن أقسى حكومة عرفتها في حياتي هي الحكومة التي غيرت اسمي من عبدالهادي إلى عمو ...
الرأي