الشباب والرياضة ورسم السياسات - قراءة على هامش المونديال
د.هشام المكانين العجارمة
26-06-2018 02:53 AM
يلاحظ منذ عقود خلت أن كرة القدم كأبرز الألعاب الرياضية متابعة وشغفاً على الاطلاق حققت ما لم يحققه أي فن رياضي آخر من الشهرة وجذب الآخر، وقد أصبحت شكلاً جديداً للحرب يشترك فيها جميع الدول بصرف النظر عن ترسانتها العسكرية أو قوتها البشرية، فحين يرتجُّ استادُ كرة القدم على من فيه، ويطيرُ هتاف الجمهور تشعر بحالة انتصار رغم عدم استلالك لسيف أو قذفك لمدفع، انتصار يدوي في الأرجاء يشعر كل من لا يلعب أو يتابع بأن حدثاً ما زلزل العالم، أو أن مشهداً ما ضاع من لحظات العمر. وهذا مما لاشك فيه واقع الكرة في أرجاء المعمورة.
عربياً وبإمعان بسيط في واقع حال كرة القدم يجد المتابع أنها لا زالت ترواح مكانها ولا تشارك إلّا للمشاركة بحد ذاتها رغم سعي بعض الدول العربية على الانفاق واستقطاب الكفاءات الرياضية لاعبين ومدربين وتجهيزات، والحال منسحب على باقي الألعاب الرياضية الأخرى.
أمّا محلياً وفي أي دوري رياضي كروي نجد أننا أفرزتا إنجازاً بقالب مختلف نوعاً ما - بحسب وجهة نظري المتواضعة - حيث تقوم الدنيا ولا تقعد، تكتض المقاهي، وتزدحم الشوارع، وتطلق النساء، ويتخاصم الأصدقاء، نتراشق الّتهم والنزاعات، ونحدث أزمة سلوكية، وأخرى مرورية، وغيرها أخلاقية، وقد تكون وطنية، فنرفع أعلام ونُلوّح بكوفية حمراء وبيضاء ونعود للأصول وأصلنا واحد ونجرّح المشاعر ونكسر الخواطر ونُلعن الطوارىء؛ بغية فرحة ينتظرها الشباب طويلاً لنكتشف أننا لم نؤسس لثقافة رياضية بالمستوى المطلوب، فكرة القدم التي تجمع باتت في واقعنا تفرّق لنقطف نهاية خيبة أمل بفريق أياً كان لون الفريق أزرق أو أخضر أو أحمر أو أي لون آخر هو حصيلة ألوان متداخلة. ولعل الأمر يزداد سوءاً إذا ناصرنا فريقاً غربياً فتزداد خصومتنا وكأنه جزء من عقيدتنا رغم عدم معرفة ذلك الفريق لنا وبوجودنا على الأغلب، والمتابع لحال مواقع التواصل الاجتماعي وما يحدث فيها من تداعيات ترتبط بالشأن الرياضي دليل على ذلك، وكأننا نريد أن نثبت للعالم أنه وحتى في مناصرتنا غير .
ترى ألم نفهم بعد كيف يكون اللّعب أو التحضير ؟ ألم نقرأ جيداً عن سياسة العشب الأخضر الممتد على امتداد الأعين الناظرة والأذن السامعة؟ متى نتخلص من سياسات التزمت الرياضي؟ متى نرفع قبعات الاحترام لمستويات اللعب الرفيعة ؟ متى نصل لذلك الوقت الذي نشجع فيها منتخباً محلياً أو عربياً في نهائيات كأس العالم أو حتى وصوله لمنتصفه أو ربعه على أقل تقدير؟ من المسؤول عن خيبات الأمل بالأندية ؟ كيف سيكون مستقبلنا وبعض مسؤولينا لا زالوا يؤمنون بنظرية العقل السليم واقتصاره على الجسم السليم ويضعونها نهجاً لعملهم رغم أنها نظرية بالية أثبت الواقع والتاريخ فشلها !؟ ماذا عن تطبيق النظريات الرياضية العالمية؟ ماذا عن الدعم الرياضي؟ ودعم الناشئين؟ ماذا عن رياضة ذوي التحديات من أولي الضرر وواقع الالمبياد الخاص بذوي الإعاقة ؟ ماذا عن الرياضة النسوية؟ وماذا أكثر عن فنون الرياضة الأخرى؟ ماذا عن التشاركية بين قطاعات الدولة لدعم الواقع الرياضي ؟ ماذا عن رسالة الأندية وعمادات شؤون الطلبة في الجامعات؟ ماذا عن السياسات المتبعة في واقع الشباب الأردني خاصة ما يرتبط بها بالشأن الرياضي؟ ماذا عن المنظومة الاخلاقية الرياضية؟ وماذا عن الآمال الملكية والشعبية ؟
المونديال اليوم وما يحظى به من شغف واهتمام وبمتابعات بسيطة منّي ذكرني وأنا لم أكن يوماً شغوفاً بكرة القدم بعلامتي المدرسية المتواضعة لمادة التربية الرياضية، كما ذكّرني بنص كتابي كنّا نتدارسه والرفاق في الثانوية العامة كأحد نصوص مادة اللغة الانجليزية وكان يتناول كرة القدم، ذات الذكريات دفعتني لتذكر فوضى مِنح التفوق الرياضي التي أوجدتها أنظمة القبول في التعليم العالي وما تحيط بها من نظرة دونية فمن يُقبل وفقاً لمنحة التفوق الرياضي لا يُكترث لأمره كثيرا، وإذا ما قُبل صاحبها في أحد تخصصات الرياضة ترافقه نظرة المجتمع الدونية، وهي ذات النظرة التي يشعر بها الدارس لأحد فنون الرياضة لحظة تخرجه! والسؤال هنا: متى نصل لمفهوم أعمق لجوهر الرياضة في حياتنا ! أعتقد أن الوضع حالياً لم يتغير كثيرا فلا زالت النظرة السلبية طاغية على السطح، إذ لا زلنا نحارب أطفالنا ويافعينا إذا ما مارسوا كرة القدم في أرجاء الحي لنذكرهم مراراً بأن دراستهم لمقرراتهم الدراسية أولى، وممارسة فنون الرياضة لن تطعمهم أو تسقيهم، رغم أن هذا الواقع مختلف تماماً في الأوساط الغربية.
إن الرياضة اليوم - باعتبارها صورة جديدة للثقافة - وسيطرة كرة القدم تحديداً على المشهد واختطافها للشباب كأكثر فئات العمر متابعة واهتماماً حتى باتت تسيطر على فكرهم وتمتلك عقولهم وكأنهم يتعاطون نوعاً من المخدر فيقدمونها على أي شيء مهما كانت قيمته يجعل من الضرورة بمكان أن نعيد لأجلها ترتيب الأوراق لنكون على قدرها وقدر المنافسين على امتداد الساحات الخضراء والمدرجات العاصفة بالهتاف، كما يستوجب منا أن نقدم لها الدعم المعنوي والمادي، وأن نغير نظرتنا التي تمركزت لعقود خلت في أذهان البعض على أنها نوع من التسلية والترفيه ومضيعة للوقت.
إن ادراك أن الواقع قد تغير اليوم وأن ركلة كرة قد تحقق ما تعجز عنه جهود جيوش أو تعب سنوات من الاجتهاد خاصة في ظل الامتيازات المتاحة وظهور اعلام الكرة ونشوة تقليدهم وما يحصلونه من شهرة ومال ليس على الصعيد العربي وحسب وإنما عالمياً ومثال ذلك سيطرة صورة اللاعب محمد صلاح على الأذهان وتمني اليافعين قبل الأطفال أن يكونوا بذات المستوى- إدراك ذلك يفرض على المجتمع بجميع مؤسسات بدءاً من الأسرة والمدرسة والجامعة والمجالس العليا ذات العلاقة بالشأن الرياضي والشبابي أن تعيد النظر بواقع الحال تقييماً موضوعياً يدفع لتغيير النهج، وإعادة رسم السياسات صورة ومضمونا، وعلى نحوٍ يلبي طموح الشباب ورغباتهم، إذ ليس من الحكمة أن نقف عند قشور الأشياء ولا نتعمق بدواخلها، كما أنه ليس من الحكمة كذلك أن نخطط لمستقبل شبابي بعيداً عن الرياضة وتمكينها لتؤدي دورها الريادي في تنمية الشباب فكراً وسلوكاً خاصة إذا ما أردنا تحقيق النهضة الشاملة في واقع الشباب الأردني والتي لطالما كانت مطلباً عبّر عنها جلالة الملك في أوراقه النقاشية، كما عبّر عن أهميتها الشباب أنفسهم، ووضعوا الاهتمام الرياضي إحدى أهم ركائزها.
وفي هذا الصدد، فإن الايمان بالفلسفة القائلة : ( أنا ألعب ،، إذاً أنا موجود ) تلك الفلسفة التي ابتكرها فيلسوف كان جالساً ذات يوم لمتابعة مبارة رسمت وجه العالم حتى أنها وصفت بفلسفة الوجود- لم يعد مجدياً، كما أن العمل والسعي عند حدودها لم يعد أمراً مقبولاً إذا ما أردنا المنافسة والتميز، وتحقيق رغبات الشباب التي طال انتظارها.
نهاية حفظ الله الأردن أرضاً وقيادةً وشعبا وحفظ لنا شبابنا ذخراً وسدد بالخير خطاهم