نحن في الطريق إلى بداية طريق. ترافقنا أسراب الحمام والبلابل والعصافير.
لا عود جديد لدينا لكن لدينا لحن جديد، أغنية جديدة، ترانيم جديدة.
لا قلم جديد لدينا لكن لدينا أفكار جديدة، كلمات جديدة، خط جديد.
لسنا ثوارا، لكننا لسنا هادئين. لسنا متمردين، لكننا لسنا مطيعين.
لسنا هاربين من وجه العدالة، لكننا لسنا خائفين من وجه الظلم.
نحن في الطريق إلى بداية طريق، تبدأ من هناك حيث يحلق النسر فوق تلك الشجرة المقدسة؛ فلا تغضبوا النسر، لأنه للتو وضع بيضه على عش ما فوق غصن من أغصان تلك الشجرة التي حرم عليكم أكلها! فلا تسقطوا أوراقها، لا تقطعوها، لا تحرقوها، وإلا غضب النسر منكم.
هذا الطريق على جانبيه سنابل الحقل، بيادر القمح، كروم العنب، حواكير التين والتفاح، جنائن اللوز والرمان، بساتين الزيتون، حدائق الدحنون والأقحوان، غابات الصنوبر والسنديان.
هذا الطريق على طوله حدوتات الجدات، حكايات الأجداد، سواليف الناس، دواوين الشعراء، قصص الأنبياء؛ فلماذا تحفرون فيه الحفر؟ لماذا تنثرون الإشارات عليه هباء؟ لماذا تبعثرون المطبات عليه عبثا؟
لا معنى لكل هذا في ظل هذا الموكب المهيب للأطفال الأبرياء، للتلاميذ الصغار، للفلاحين الكادحين، للأساتذة الأفاضل، للأطباء الجهابذة، للكتاب الخجولين، للجنود الأشاوس، للأمهات المدارس.
على جانبي الطريق ثمة مقاه للصوص الأبرياء، للمتسولين الكرماء، للمهرجين الحزانى، للمدمنين على همس الليل في أذن الفجر، للمنتشيين بغمز القمر لعيون الضحى، للمتهيجين على تحرش الريح بأغصان الشجر؛ فلا تغلقوا أبوابها، لا تحظروا مبيعاتها، لا تمنعوا البن والسكر عنها، لا تسدوا الطريق اليها، لأن كل شيء ممنوع عندكم مباح عندنا.
هذا هو الخط الفاصل بيننا وبينكم، أنتم تظلمون المكان ليتم كل شيء سرا في الخفاء، ونحن ننير المكان ليتم كل شيء أمام أعيننا، تحت أنظارنا.
نحن في الطريق سائرون على الأقدام، حفاة ماشون، بدون وقوف أو توقف، إلى نهاية طريقكم، كي نخط الخط الفاصل بين البداية والنهاية، البداية لنا والنهاية لكم.
نحن في الطريق إلى منتصف طريق ثالث: طريق وسط، لا جزر تتوسطه، بإتجاه مغاير لكل الاتجاهات، مخالف لكل الاشارات.