الجذور التاريخية للأزمة اليمنية- دراسة للدكتور محمود الجبارات
23-06-2018 05:01 PM
عمون - برزت الأزمة اليمنية بعد حراك الربيع العربي، وتنحية الرئيس السابق على عبد الله صالح، وما تبع ذلك من صراعات سياسية بين مكونات المجتمع اليمني السياسية والعشائرية، ولم تكن دول الإقليم بمنأى عن تلك الصراعات، وقد اُضطرت أن تكون طرفا في الأزمة عندما تدخلت دول الخليج العربية عسكريا في اليمن تحت عملية عاصفة الحزم بعد انقلاب الحوثيين المتحالفين مع الرئيس المخلوع على عبد الله صالح ضد الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي عام 2015. ومنذ ذلك التاريخ لم تعد الأزمة اليمنية مجرد أزمة محلية داخلية، فقد دخلت على خط الأزمة قوى ودول متصارعة، فالتحالف العربي الذي قادته المملكة العربية السعودية ضم مجموعة من الدول العربية، وقد تلقى دعما لوجستيا وعسكريا من دول حليفة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها. في المقابل تلقت جماعة الحوثي وصالح دعماً سياسياً معلناً من إيران وحلفائها من الأحزاب والمليشيات في المنطقة العربية ودعما عسكريا سريا، ومع تطور الأحداث فقد حدثت هناك انقسامات بين الحلفاء، فالتحالف العربي ظهرت فيه تصدعات، وتضارب مصالح، كما ظهرت في الجانب الآخر تلك الانقسامات التي قادت لمقتل الرئيس السابق على يد حلفاء الأمس الحوثيين.
قليلون هم القراء الذين يعرفون خلفية الصراعات السياسية والمذهبية في اليمن، وقليلون من يعرفون الخلفية المذهبية لجماعة الحوثي، هذا ما حاول أن يوضحه أستاذ التاريخ في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور محمود الجبارات في كتابه" الجذور التاريخية للأزمة اليمنية" الصادر مؤخرا عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان.
يضم الكتاب دراستين متصلتين بذات الموضوع: الزيدية، وهو المذهب الذي ينتمي إليه الحوثيون، وغيرهم من العشائر اليمنية، والجذور التاريخية للأزمة اليمنية المعاصرة.
يقول الباحث محددا أهمية البحث الذي يقدمه:" كان تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، وما يزال، مجالاً بكراً، قلًما تستوفى أدواته ووثائقه وشروط الكتابة التاريخية في موضوعاته؛ وذلك لتعقيدات مدخلاته وتشابك علاقاته الداخلية والخارجية، إضافة إلى المزاج العام المرتبط باتجاهات ورؤى دارسيه، فضلا عن رؤى أبنائه ومواقفهم من هذا التاريخ ومآلاته".
وقد بيّن الكاتب أن الأزمة اليمنية منذ اندلاعها عام 2011 كشفت عن بعض مكنونات المجتمع اليمني ورؤاه واحتقاناته المتماهية مع واقع مكوناته الداخلية وعلاقات قواه الحيّة مع محيطها الإقليمي، وشكّلت الأزمة، بصورة عرضية، ظاهرة تشي وتُغري بإعادة قراءة صيرورة تاريخ اليمن المعاصر بمناهج وأدوات وطرائق تفكير جديدة.
أما الدراسة الثانية فقد اهتمت بالمذهب الزيدي، من خلال المصادر التاريخية والفقهية، وفي مختلف مراحل تاريخ اليمن، وبيان تاريخ علاقات الزّيدية مع التيارات السياسية والاجتهادات الفقهية في اليمن، وطريقة أداء الإمامة الزيدية السياسي كدولة، وتطور اجتهادها المذهبي خلال الظروف السياسية المستجدة بمنظور تاريخي.
كل ذلك في محاولة للإجابة، المباشرة أو غير المباشرة، على التساؤلات الهامة التي أثارتها تطورات الأزمة اليمنية وهي: هل تتطور الزّيدية، بتجلياتها الحالية بصفتها حركة حوثية، وتتحول إلى حزب سياسي يمني يقبل التشاركيّة في الحكم، والتبادل السلمي للسلطة في دولة يمنية مدنية حديثة؟ أم أن استعادة الزيدية المذهبية، كما ظهر في الحركة الحوثية، سيتجسد مجددا في تأسيس إمامة زيدية؟ وفي كل الأحوال، كيف ستتعامل الزيدية الحوثية مع بقية المكونات السياسية والفقهية والمناطقيّة في اليمن؟
لعل أبرز ما توصل اليه الباحث فيما يتعلق بثنائية المذهب والدولة عند زيدية اليمن هو أن المذهب الزيدي في اليمن تطور تاريخياً كجزء من تطوّر المعارضة السياسية الإسلامية للدول الإسلامية المركزية على اختلاف توجهاتها، ووظّف القبائل اليمنية في الوصول إلى السلطة و/أو الحفاظ على هذه السلطة، وأنه لم يؤمن يوما بالمعارضة السلمية والفكرية للدولة الإسلامية المركزية، أو للدول الإسلامية التي نشأت في اليمن وتعايش معها؛ بل إن صراعات عسكرية دامية ومستمرّة قادها الأئمة للوصول إلى السلطة في اليمن ضد الدول اليمنية؛ وصراعات عسكرية بين الأئمة المتنافسين على الإمامة؛ كان كثير منها داخل البيت الفاطمي ولأئمة متعارضين، وأن المذهب الزيدي أقرب المذاهب الشيعية إلى السُنّة؛ تطور فكرياً واجتهادياً على ضوء مدرسة المتكلمين المعتزلية، وركز على الإمامة ودور الإمام في السلطة السياسية (الدولة)؛ ولكن ما أن تقوى سلطة الإمام ودولته، ويجد أي مبادرة خارجية من دولة شيعية إمامية اثني عشرية؛ المختلفة في اجتهادها الفقهي عن الزيدية؛ فإنّ الإمام يستقوي بها، وينسق معها سياسياً وربما عسكرياً في مواجهة الدول المجاورة له، ويرافق ذلك تطبيق اجتهادات الفرقة المطرفية أو الاثني عشرية في اليمن، ومنها شروط الإمامة والموقف من خلافة الشيخين، وحديث الغدير، والإضافة على الأذان، والصرخة.
وأن الإمام الزيدي كان أحياناً يلجأ لعقد اتفاقات على شكل هُدن مؤقتة مع دول يحاربها وتحاربه، وأن هذه الهدن لا تستمر، وغالبا ما يبادر الإمام إلى نقضها بعد أن يُعِدّ العُدّة إلى جولة جديدة من الحرب.
وأن شروط تولي الإمامة المعتبرة عند الزيدية لم تكن تطبق غالباً عند خروج الإمام للدعوة أو توليه الإمامة، وتولى أئمة الإمامة بدون توفر أي شرط أحياناً، وبتوفر شرط أو شرطين أو سبعة شروط، وأحياناً بنقص شرط واحد، كما أن الإمام كان في كل الحالات يستولى على السلطة بالقوة العسكرية والسيف؛ ولذلك كانت اليمن في حالة حروب دائمة.
أما الفصل الثاني فقد تضمن المحاور التالية: مقدمات الأزمة، انطلاق ثورة الربيع العربي في اليمن، المبادرة الخليجية لاحتواء الأزمة. وقد خلص إلى أن الحل السياسي في اليمن يقوم على التوافق السياسي الوطني اليمني على أجندات سياسية محددة المدى الزمني، والعمل بروح الفريق هامة جدا في ظروف اليمن الحاضرة، كما أن التوافق على خارطة طريق للمرحلة الانتقالية، وحل المليشيات الحزبية والطائفية والقَبَلية المسلحة، وبناء جيش وطني، وإعادة النظر في تطبيق تقسيم الأقاليم للمرحلة النهائية من بناء الدولة اليمنية، حيث إن تطبيقه يتطلب وجود دولة مركزية قوية وقادرة ماليا.
وأن اليمن بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي ودول الإقليم، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي اقتصاديا وماليا وسياسيا؛ لإعادة بناء الدولة اليمنية، وترميم العلاقات الداخلية بين مختلف مكونات المجتمع اليمني ضمن العدالة الانتقالية التي توافق عليها اليمنيون.
ويؤكد الباحث على أن المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة ما زالت صالحة لأن تكون إطاراً متوافقاً عليه، وقابلاً للتطوير عليه في حل المسألة اليمنية، كما أن قرارات مجلس الأمن المتصلة باليمن كانت توافقية في الأفق الدولي، ويمكن تفعيلها وصولا إلى حل في المسألة اليمنية.
يذكر أن الدكتور محمود الجبارات من مواليد الشوبك في الأردن سنة 1958، حاصل على شهادة الدكتوراة في التاريخ في جامعة اليرموك، عام 2005، خدم في القوات المسلحة الأردنية (1980- 1996)، وتقاعد برتبة مقدّم، وعمل محاضراً في المعاهد العسكرية، حاز وسام الخدمة الطويلة المخلصة قبيل تقاعده، ويعمل أستاذاً للتاريخ الحديث والمعاصر في جامعة البلقاء التطبيقية منذ سنة 2006. من مؤلفاته: العلاقات اليمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية (1904- 1948م )، 2008م. دراسات في تاريخ اليمن المعاصر، 2014م.
له أكثر من عشرين بحثا علميا محكّما منشورة في مجلات علمية محلية وعالمية.