كانت مظاهر الخيبة على أجيال الشباب الممتدة من المحيط إلى الخليج كبيرة وعميقة، وكانت معالم الكبت والقهر على الجموع الممتدة حول الشاشات العملاقة والصغيرة تكاد تصل حد الانفجار من الهزائم العربية المذلة التي لحقت بجميع الفرق العربية المشاركة، وكانت مجاميع الشباب تبحث عن بارقة فرح وسط هذا البحر المظلم المتلاطم من الاحباط والفشل على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والعلمّية والإبداعية.
الشباب يملكون الحق الكامل في امتلاك الشعور بالمرارة تجاه أوضاعهم ودولهم وأنظمتهم ومؤسساتهم ومستقبلهم؛ لانهم يعيشون أوضاعاً سياسية مزرية؛ فهم ليسوا مثل بقية شباب العالم من حيث التمتع بالديمقراطية وامتلاك حق المشاركة في صناعة مستقبلهم وامتلاك القدرة على انتخاب حكوماتهم وامتلاك حق محاسبتها وتقويمها وامكانية اختيار الأفضل والأقوى والأكثر أمانة على مقدرات الأوطان، ويعيشون أوضاعاً اقتصادية أشد سوءاً، من حيث الاغراق في الديون والركود والبطالة، وضعف الانتاج وتراجع قيم النمو الحقيقية، وهم يعيشون أوضاعاً علمية متراجعة، فما زالت الأغلبية الساحقة من الجامعات العربية تقبع في ذيل التصنيف العالمي، وفوق ذلك كله لم يفلحوا
في مجال الرياضة ولم يستطع فريق عربي واحد تحقيق نصر جزئي ولو كان معنويا.
الأنظمة السياسية العربية والحكومات العربية معنية تماماً بقراءة المشهد القائم قراءة جدية، ومعنية بتنبؤات مآلات هذه الأوضاع البائسة، ومعنية أكثر بالاعتراف بالفشل المتراكم، وأن تعمل جاهدة على اعلان تسليم السلطة للشعوب وفق برنامج متدرج يتسم بالجدية والحسم عبر مرحلة انتقالية مؤقتة، لأنها بغير ذلك تعمل على انتظار الطوفان القادم لا محالة.
النجاح ثمرة منظومة متكاملة من الافكار والافعال والاجراءات والتشريعات على مختلف المسارات السياسية والاقتصادية والتربوية والعلمية، ولن تكون الطريق أمام العرب ممهدة لتحقيق انجازات مميزة في حقل الرياضة بمعزل عن عمل ناجح ومنظم على المسارات الآخرى، والفشل كذلك هو ثمرة منظومة متكاملة من العمل المتخلف في كل المجالات وعلى مختلف الصعد والمستويات بالطريقة نفسها.
ولذلك يجب أن يعلم الشباب وأن تعلم كل الأجيال المسكونة بالحزن والشعور بالعجز والاحباط، انها أمام خيارين لا ثالث لهما:
الخيار الأول يتمثل بإعادة النظر في منظومة المسارات الشاملة بشكل كامل من أجل التخلص من كل مظاهر الفشل وأسبابه وأدواته وشخوصه، فلابد من امتلاك العزيمة الجادة على تقويمها واصلاحها بطريقة متوازية، ولابد من العمل على اختصار الزمن من أجل ردم الفجوة الهائلة التي تعادل سنة ضوئية من التخلف عن اللحاق بركب العالم المتحضر.
الخيار الثاني يتمثل بإعادة تدوير الفشل والفاشلين، والابقاء على المنهج نفسه وطريقة الإدارة نفسها والاحتفاظ بالادوات نفسها والاساليب والسياسات نفسها على كل المسارات؛ التي صنعت الازمة وانتجت الفشل وكرست العجز والتخلف، وعدم الاعتراف بالفشل، والاصرار على قلب المفاهيم وتدليس الحقائق ومخادعة النفس من اجل الذهاب الطوعي نحو الفناء المحتم.
هذا القول ليس من باب جلد الذات، وليس من باب زيادة منسوب الاحباط، وانما من أجل انفسنا وابنائنا واوطاننا ومستقبلنا عبر اشعال شرارة الاقدام الجاد على الاصلاح الشامل والبدء بمرحلة التغيير الحقيقي.
الدستور