إلتماس العفو العام: الإختبار الأمثل للصلاحية التشريعيّة
سيف زياد الجنيدي
21-06-2018 06:27 PM
لا يخفى على أحدٍ بأنّ البرلمان في الدّول الديمقراطيّة يتمتّع بقوة التّقرير التشريعيّ بالنّسبة للقوانين كافةً دون استثناء، أيّ بحرّية الحركة والإرادة التشريعيّة، ومن أبلغ الأقوال الإنجليزيّة الفقهيّة دلالةً على هذه الصّلاحية المُستندة إلى مبدأ التّمثيل الشعبيّ القدسيّ :"أنّ البرلمان يستطيع أن يفعل كل شيء، ما عدا أن يجعل المرأة رجلاً، والرّجل إمرأة".
تداولت الصّحف المحليّة وعدّة مواقع إخباريّة إلكترونيّة في العشرين من حزيران 2018م خبراً مفاده "سبعون نائباً يوقّعون على مذكرةٍ لإصدار عفوٍ عامٍ"، وفي سياق الخبر ذاته بأنّ المجلس بيّن في المذكرة مرتكزاتٍ محدّدةٍ لواقع مشروع القانون المأمول إعداده من الحكومة.
بتأمّل النّصوص الدستوريّة ذات العلاقة بالصلاحية التشريعيّة (الإختصاص التشريعيّ) أجد بأنّ هذا التّوجه النيابيّ لا يرقى إلى مرتبة المُبادرة التشريعيّة النيابيّة المُلزمة للحكومة وفقاً لما هو واردٌ في المادة (95) من الدستور، وإنّما يُمكن إعتباره بمثابة إلتماس نيابيّ فاقدٌ للوصف الدستوريّ، وأنّ مثل هذه المُناشدة النيابيّة لا يُمكن إعتبارها نقطة الإنطلاق الأولى للعملية التشريعيّة من الناحية الدستوريّة.
من خلال تتبع المناشدات التشريعيّة النيابيّة المماثلة لهذه المناشدة يُمكن ملاحظة خروج البرلمان المتكرّر عن السُّبل الدستوريّة لسن التشريعات البرلمانيّة، ممّا يتشكّل معه عمليّاً بأن يكون المجلس التشريعيّ وصاحب الإختصاص الأصيل في التّشريع مجرّد متلقي لمشروعات القوانين القائمة على مبادرات تشريعيّة حكوميّة. بل وذو صلاحية مقيّدة في مناقشة ما تتضمّنه مشروعات القوانين المُقترحة من تعديلات في ضوء ما تضمّنه قراريّ المجلس العالي؛ القرار رقم (1) لسنة 1974م، والقرار رقم (1) لسنة 1955م.
نأمل أن تشهد الدورة العادية القادمة للمجلس النيابيّ حراكاً تشريعيّاً قائماً على حرّية المُبادرة التشريعيّة، وإقتراح بقانون معدّل لقانون ضريبة الدخل رقم (34) لسنة 2014م نابعٌ من الإرادة الشعبيّة لينهي حالة الخيفة والتوجّس والإحتقان لدى المواطنين من هذا التّشريع، حيث إنّ الدستور الأردنيّ لم يحظر على مجلس الأمّة بشقيه التقدّم باقتراحات بقوانين إلّا حظراً موضوعيّاً ضمنيّاً يتّصل بالموازنة العامّة للدولة فقط.
أمّا فيما يتعلّق بإمكانية سن تشريع خاصٍ بالعفو العام خلال الدورة الإستثنائيّة الإلزاميّة القادمة لمجلس النّواب، فليس هناك من مانعٍ دستوريّ لسن مثل هذا التّشريع شريطة أن يكون من ضمن الأمور المعيّنة في الإرادة الملكيّة للدعوة لعقد الدورة الإستثنائيّة. كما يجوز عقد عدّة دورات إستثنائيّة متعدّدة الغايات في عمر المجلس النيابيّ، بل وفي السّنة الواحدة ذاتها.
* الكاتب باحث قانونيّ، وطالب في المعهد العالي للدكتوراه في الحقوق والعلوم السياسيّة والإداريّة والإقتصاديّة/ الجامعة اللبنانيّة.