خلال السنين العشر الفائتة، خرجت علينا نظرية جديدة، من جانب اغلب رؤساء الحكومات السابقين، تقول ان الشعبية ليست مهمة، وان الرئيس لا تهمه الشعبية، وان الاصلاح السياسي والاقتصادي هو الاهم، بعيدا عن تجميل سمعة الحكومة، او رفع شعبيتها.
في المقابل، ومع ان المقارنة جائرة، من حيث المبدأ، فان معيار الشعبية في الغرب، معيار اساس، لتوقع نجاح او فشل اي رئيس دولة مرشح للانتخابات، او رئيس حكومة، مثلما هي معيار يقرر بقاء اي رئيس دولة، او حكومة، او سقوط احدهما، وتقاس الشعبية هنا، بوسائل مختلفة، من بينها مراكز الاستطلاعات، والاعلام، والبرلمان، ونبض الشارع، وغير ذلك من وسائل.
اولئك السابقون، من رؤساء الحكومات لدينا، يعتقدون ان الشعبية، وسيلة زائفة، لرفع رصيد اي رئيس او حكومة، وان هذا ليس مهما، وان المهم اتخاذ الاجراءات الصعبة، بقلب قوي، لا يعرف الشفقة، حتى لو غضب الناس، من هذه القرارات، وتدنت شعبية الحكومة ورئيسها.
هذه خفة سياسية، بما تعنيه الكلمة، لان الشعبية، هنا، وسيلة حكم، وبدونها تسقط الثقة، وبالتالي، لا يمكن قبول اي قرار، ولا احترام اي دافع، كما ان المفارقة هنا، ان من يدعي ان يتخذ اجراءات بعيدا عن الشعبية، لمصلحة الاردنيين، هو ذاته يتخذ قرارات ضد حياة الاردنيين، فكيف يستقيم الامر، بين متناقضين في هذه الحالة الغريبة؟.
التبرؤ من الحاجة الى الشعبية اساسا، مرده الى معرفة كل حكومة انها غير قادرة على اتخاذ اي قرار ايجابي، بل تتغطى بعدم حاجتها للشعبية، لاتخاذ قرارات سلبية، تخفض شعبيتها المنهارة اساسا، وهذا امر شهدناه في مراحل سابقة، تفننت الحكومات خلالها، بالتصرف بشكل معزول عن ارادة الناس، وما يريدون ولا يريدون، بل ان هذه المدرسة وصلت حد الاستعلاء في حالات كثيرة، باعتبار ان الناس على باطل، ولابد من صد تذمرهم وشكواهم.
مناسبة الكلام، يتعلق بتوقيت الحكومة الجديدة التي ننصحها ان تدرك ان الشعبية، مهمة جدا، وهي شعبية لا يمكن ان تتحقق بمعايير التواصل السياسي والاعلامي، والانفتاح، والبساطة والقرب في التعبيرات من الناس، بل عبر الاجراءات التي تسترد ثقة الناس، بالحكومات، ووقتها تتحقق الشعبية، باعتبارها وسيلة لادارة الحكومة، وكسب المصداقية بين الناس.
لا يقصد احد بالشعبية، ان يخرج الناس ليهتفوا للحكومة، او ان تصير الاسماء، فوق الاردن، او فوق بقية المؤسسات، لكننا نقصد بشكل محدد، ان تتصرف الحكومة بشكل صحيح، في كل قراراتها، وبشكل يرمم الثقة الغائبة بحق الحكومات، وهنا مربط الفرس، الذي يتوجب التنبه له، اي انقطاع الحبل السري بين الناس، والحكومات، بسبب جملة ممارسات تمت خلال السنين الفائتة.
اخطر ما قد تتورط به اي حكومة، الاستعاضة عن الاجراءات الحقيقية، لمصلحة الناس، بحملات العلاقات العامة، وتحسين السمعة، عبر السوشيال ميديا، او الاعلام، وهذه طريقة مؤذية، لانها مجرد «مكياج» على وجه اي حكومة.
الخلاصة تقول ان المهمة الصعبة باعتراف رئيس الحكومة، في تصريحه يوم الثلاثاء، وهي مهمة بحاجة الى عناصر ارتكاز اساسية، ابرزها استعادة ثقة الناس، بحكوماتهم، باجراءات فعلية، وليس تجميل السمعة وحسب، وتحسين شعبية الحكومة، بشكل عملي، وليس دعائيا، والتوقف عن جدولة الازمات ودفعها الى الامام.
الدستور