عامر محسن .. "فخّ الدَّين ومصيدة السياسة" مقالة لا تشخص أزمة الاردن الاقتصادية
محمد قبيلات
20-06-2018 10:39 PM
بعد قراءة عابرة لمقالة الكاتب اللبناني المميز عامر محسن، المنشورة في صحيفة الأخبار اللبنانية قبل أيام، تحت عنوان: 'فخّ الدَّين ومصيدة السياسة'، تغاضيت متعمدًا عمّا اعتراها من ضعف، لوجاهة الشكل العام للطرح الذي تبنته.
رُبَما بسبب انحيازي العاطفي للكاتب الذي أتابعه باستمرار، برغم خلافي الجذري مع بعض مواقفه السياسية، إضافة إلى التماسي العذر له فهو غير متخصص في الاقتصاد من ناحية، وهذا لا ينتقص من كونه كاتبًا سياسيًا مميزًا، ومن ناحية أخرى فالكاتب غير مطلع بما فيه الكفاية على الحالة الأردنية.
لكن؛ ومع تفاعل واحتفال بعض الأوساط اليسارية الأردنية مع المقالة المذكورة، وإجابة على أسئلة بعض الأصدقاء حول الموضوع ذاته، قررت أن أعيد قراءة المقال وأدوّن بعض الملحوظات عليه، بغرض التوضيح.
نحن في الأردن، وأقصد وسطًا بعينه، تعوّدنا على تلقّف ما يكتبه الأشقاءُ اللبنانيون وتبنيه على الفور، من دون تكبّد عناء المناقشة أو التمحيص، وهذا يعود لتفشي حالة من الفقر المعرفي والتحليلي المزمن في هذا الوسط، ومن ناحية أخرى، للسّبق الذي حققه الأشقاء اللبنانيون في التنظير على أسس التحليل المادي في فترات نهوض الحركة الوطنية اللبنانية، أي قبل دخولها حالات التحوصل الطائفي.
تجاهل الكاتب التطرق لجذور الخلل الهيكلي التاريخي في الاقتصاد الأردني، كما غضّ الطرف عن أي ذكر للحراك الشعبي الرافض لسياسات الافقار التي تبنتها الحكومات الأردنية المتعاقبة، مع أن هذا الحراك وقع قبيل نشر مقالة الكاتب بأيام، حيث سجل التاريخ لهذا الحراك تمكنه، بأدواته السلمية، من إسقاط حكومة الدكتور هاني الملقي، ووضع السياسات الحكومية السابقة جميعًا على طاولة البحث والمراجعة.
كان يمكن لهبة أيّار أن تحقق أكثر من ذلك، لولا التحرك الالتفافي الإقليمي، عن طريق الوعود باستئناف تقديم المساعدات، الذي رأت فيه الباحثة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، لوري بوغهارت، في معرض تصريحها لوكالة فرانس برس، أن 'السرعة وحجم الاستجابة التي قامت بها دول الخليج، دليل واضح على قلقهم وعزمهم القضاء على الاضطرابات في الأردن من جذورها'.
وتاليا استنتاجها الخطير: 'سيقومون بكل ما بوسعهم لإفشال ربيع عربي آخر على عتبة أبوابهم'، انتهى الاقتباس، وهذا ما فعلته هذه الدول ضد حراكات الربيع العربي عام 2011 وفي أعقابه.
المشكلة الأساسية في الاقتصاد الأردني بنيوية، تتعلق بالاختلالات الهيكيلة الكبيرة التي وجّهت الجزء الأكبر من القوى العاملة إلى قطاع الخدمات ومؤسسات الدولة، حيث أن بعض التقديرات تذهب إلى أن نسبتهم قد تبلغ 60 من مئة من القوى العاملة، وهذا يعني تلقائيًا ارتفاع فاتورة الرواتب التي تدفع من الموازنة العامة، وهو البند الأساسي في النفقات الجارية، الذي يضغط حجم النفقات الرأسمالية ليجعلها في أدنى مستوى، وجرى الاستسهال في هذا الجانب الخطير منذ البداية، وذلك بسبب أن عدد السكان القليل نحو 2 مليون حتى مطلع الثمانينيات، وثانيًا لتدفق المعونات والمساعدات الخارجية التي كانت ترفد الميزانية.
لكن هذه المساعدات توقفت بعد نهاية حرب الخليج الأولى، المترافقة مع أزمة أسعار النفط، فشكلت ضغطًا كبيرًا على المالية العامة للدولة، ما جعلها تتوجه فورًا للاقتراض لتغطية العجز في النفقات، وزاد حجم المشكلة الهجرات القسرية التي تلت ذلك من الكويت والعراق على حد سواء، ما ضاعف مخصصات نفقات الصحة والتعليم.
وتم التوجه للاقتراض الداخلي، ما ضاعف حجم المديونية الداخلية في وقت لاحق، ليس بسبب نظرية المؤامرة التي ذهب إليها الكاتب (فهو غالبًا ما يؤشّر الى صفقةٍ بين الحكومة من ناحية والمصارف وأصحاب الأموال من ناحية أخرى: تمويل إنفاق الحكومة مقابل فوائد مجزية، ومنفذٌ لتوظيف الأموال بشكلٍ مضمون.)، في معرض تفسيره ذلك بأنه نتاج تحالف مع مالكي البنوك المحليين، بل إن الأسباب الحقيقية تتعلق بأزمة الرهونات العقارية وما تبعها من الأزمة المالية العالمية ولتراجع التصنيف الائتماني للأردن عالميًا، ما اضطر الجهات المعنية للتوجه للاقتراض الداخلي، لأن البنوك والمؤسسات المحلية لا تتعامل مع الدولة الأردنية بمعايير مؤسسات الإقراض الدُّولية.
ليس دقيقًا أن الفائدة على القروض والسندات الأردنية في الأسواق العالمية أقل منها محليًا، فالفائدة العالمية تجاوزت 7 من مئة في بعض الأوقات في حين أنها ظلت بحدود 4- 5 من مئة محليًا.
طبعًا، لا بد هنا من التنويه بأن من النقاط الوجيهة التي ذكرها الكاتب، عدم احتساب التكلفة المستقبلية للنمو الحاصل في الوقت الراهن، بينما هو بالتأكيد سيثقل كاهل المالية العامة للدولة في المستقبل، وذلك بسبب تكلفة الدين بما يتطلب من أقساط وخدمة الفوائد والجدولة، وهذا الأمر يتعلق بالدين الخارجي والداخلي على حد سواء، وليس بسبب تكلفة الدين المحلي فقط.
الحلول التي قدمها الكاتب لم تخرج عن الأطر الكلاسيكية، والتي ابتدأها بضرورة الاذعان لفكرة أن هذه المديونية لا يمكن أن تسدد، ومن الأفضل أن نقر بذلك اليوم قبل الغد، وهو ضمنيًا هنا يحرض على فكرة توقف الدولة عن تسديد الديون، متناسيًا أن دولة مثل البرازيل استطاعت من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدُّولي تسديد ديونها، وان تصلح الاختلالات الهيكلية في أجهزة الدولة والاقتصاد البرازيلي، وأن تجعل منه قوة منافسة عالمية خلال عشر سنوات.
ذهب الكاتب إلى سرد عموميات كثيرة غير متعلقة بصلب الموضوع ليعود بعدها ويقدم اقتراحه بأن لا حل مثل حل التأميم، ولا ندري أي مؤسسات تلك التي يريد تأميمها؟ وهل من مؤسسات ناجحة اليوم وفي حال تأميمها ستقوم برفد الخزينة بالإيرادات النقدية أم أنها ستكلف الموازنة تغطية بنود خسائرها؟ ثم إن المبيعات التي تمت في قطاع التعدين، برغم عدم صحة إجراءات بيعها، فإنها اليوم تخضع لضريبة التعدين، وهي تشكل اليوم إيرادًا صافيًا للخزينة ولا يرتب عليها أية تكاليف تُجاه تعثر هذه الشركات.
لقد امتدت الاختلالات الهيكلية لتبتلع قيمة حوالة المغتربين، فهي الآن لا تتجاوز 3 مليارات دولار سنويًا، وهو ما يعادل حوالات العمال الوافدين، كما أن الضريبة لم تأخذ شكلها التصاعدي بحيث تكون أداة لتوزيع الثروة العادلة، وتم التوسع في ضريبة المبيعات وهي ضريبة غير عادلة لأن الفقير والغني يدفعها بالقيمة نفسها، بينما كان من الأصح أن يتم التوسع في ضريبة الدخل، ضمن منظومة كاملة من ضبط المالية العامة للجدولة تضمن الكفاءة الانتاجية وعدالة التوزيع.
بقي أن أقول إنه بالنسبة لتخفيض نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي، التي قاربت الـ 100 من مئة، فإنه يمكن تخفيضها عن طريق زيادة الدخل الإجمالي وليس شرطًا أن يتم ذلك عن طريق تخفيض رقم المديونية.
الحل بالنسبة للدول التي خططت اقتصادها ليسير باتجاه النمط الرأسمالي، وقطعت أشواطًا في التنمية على هذا الأساس، لا يمكن أن يكون باتباع الطرق والحلول التي استخدمت في مصر في الخمسينيات من القرن الماضي، أو بالالتفات إلى تجربة اقتصادات غير كفؤة مثل الاقتصاد الإيراني، القائم على فكرة الاقتصاد المقاوم، بينما النتائج في الواقع غير مشجعة، حيث يواجه المشاكل ذاتها التي تواجهها الاقتصادات النامية في المنطقة، من بطالة وفقر وضعف خدمات التعليم والصحة، برغم الموارد الطبيعية الضخمة للدولة الإيرانية.