لربما جاز القول أن عشاق كرة القدم ينقسمون إلى أربع فئات، واحدة معجبة باللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو، وأخرى مفتونة باللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي، وثالثة يحلو لها اللاعبان لا فرق بينهما الا بالتقوى، ورابعة تشمئز من رؤية أي منهما!
ومن غرائب كرة القدم أن تعرض على المفتونين بسحرها عرضين مختلفين عن بعضهما كل الاختلاف فيما يتعلق بهذين اللاعبين.
العرض الأول جاء على مسرح القمة الآيبيرية التي جمعت الماتادور الإسباني وبرازيل أوروبا (البرتغال)، حيث شاهد الجميع كيف استطاع الدون رونالدو تسجيل "هاتريك": الأول جاء من ركلة جزاء، والثاني من تسديدة قوية من خارج منطقة الجزاء بقدمه اليسرى علما أنه يلعب بالقدم اليمنى، والثالث جاء من ضربة حرة مباشرة في الزفير الأخير من عمر المباراة فكان المسك الذي عطر ختام "الهاتريك"!
أما العرض الثاني فجاء على مسرح إتكريت أرينا الذي شهد لقاء التانغو الارجنتيني مع آيسلندا، حيث ذهل الجميع كيف أضاع الأسطورة ميسي ركلة جزاء، وعجز من تسجيل هدف من تسديدة رائعة من خارج المنطقة المحرمة بقدمه اليسرى وهو بالمناسبة لاعب أعسر، وأخيرا وليس آخرا لم يكن موفقا في الركلة الحرة المباشرة التي سنحت له أيضا في اللحظات الأخيرة من زمن اللقاء.
واذا سألت أنصار ميسي عما جرى للاعبهم المفضل، قالوا لك ببساطة: لم يكن ميسي في يومه! ويقصدون بذلك أنه لم يكن محظوظا، بينما كان غريمه التقليدي في عز أيامه أي أنه كان محظوظا!فهل للحظ دور فعال حقا فيما جرى لكل من رونالدو وميسي؟
لكي نجيب على السؤال أعلاه بعقلانية وموضوعية، يفترض بنا أن نعرف موقف العلم الحديث من "الحظ" أي فيما إذا كان العلم الحديث يقر بوجودية الحظ أم لا.
هناك قانون في علم النفس يسمى بقانون الجهد المعكوس أو كويه نسبة للعالم الذي توصل إليه. ينص القانون على أنه إذا سيطرت فكرة على شخص بحيث أصبحت متغلغلة في أغوار عقله الباطن، فإن كل الجهود الواعية التي يبذلها ذلك الشخص في مخالفة تلك الفكرة تؤدي الى عكس النتيجة التي كان يبتغيها منها.
بكلمات أخرى، إن الخوف من الفشل يزداد كلما ازدادت الارادة في النجاح! فما معنى هذا؟
معنى هذا أن للنجاح عاملين مهمين: الأول: ألا تؤدي عملك واضعا نصب عينيك "النجاح" فيه لأنه سيبتعد عنك بنسبة تزداد كلما ازداد تركيز قواك العقلية في النجاح فيه بدلا من التركيز في القيام به بأقصى إمكانياتك وقدراتك، والثاني: ألا تؤدي عملك وأنت خائف من الفشل فيه لأن الخوف منه سيقودك إليه بنسبة تزداد كلما ازداد قلقك وتوترك، والمثل الشعبي يقول: "اللي يخاف من الذيب بطلعله".
والذي يلعب باسترسال وروية وهدوء محررا نفسه من أية ضغوط نفسية كانت أو مالية أو عائلية مؤديا أداءه دون تكلف أو تصنع مبتعدا به عن تعمد النجاح منه أو تقصده فيه يمسي محظوظا في تلك اللحظات وتراه يسجل هدفا تلو الآخر إذا سنحت له الفرص للتسجيل، والعكس بالعكس.
وعليه، لعلني لا أغالي إذا ما قلت بأن ميسي في ذلك اليوم جعل إرادته بتسجيل الأهداف تطغى وبشدة على قوة تركيزه الذهني وعلو كعب مهارته الكروية فلم يستطع أن يسجل هدفا من أية فرصة سنحت له، بينما كان رونالدو يؤدي أداءه كما يفترض به أن يؤديه بكل ثقة من دون أدنى شك واضعا إرادته بالنجاح بتسجيل الأهداف خلف ظهره فسجل ثلاثة أهداف من عدة فرص!