في الذكرى ٢٦ لرحيل احمد قطيش الازايدة
اسامة احمد الازايدة
20-06-2018 09:52 AM
قد ترجّلتَ في الوقت المناسب
قبيل ان تنجبكَ الحاجة رَيَّا - رحمكما الله - رأت في المنام ان القمر بدراً في حجرها ؛ فقد صدّقتَ الرؤيا و لطالما أنرتَ دروباً لأبناء وطنك في ليالٍ دامسة.
أما و قد وُلدتَ و النكبةَ معاً فقد حملْتها بقلبك و حملتَ معها هموم جماعتك و عشيرتك و مدينتك و وطنك ؛و أيُّ أمانةٍ تلك التي حملتها في بضعٍ و أربعين عاما اختزلتَ فيها مئات السنين من العطاء و الحب و الإنجاز فلم تفارقكَ هموم الأمة وآمال إنعتاق الانسانية من الظلم ؛ تجرعت ألم النكبة رضيعاً ثم أدمتْ قلبك النكسة شاباً و قد اسدلت ستارهما الا انك أبيتَ أن تسدلَهما فعشت تائقاً الى الحرية خادماً للانسانية غيوراً على تراب وطنك مبادراً قوياً في الدفاع عن حقوق الناس ، أرهقتْ كاهلك آمالهم ، ما إن انهيت رحلة دراستك في مصر فعدت للوطن لتخدم الناس حتى حملتَ حِملاً تنوء به ألوف الرجال ؛فبارك الله لك بوقتك لتصنع كل هذه المحبة في قلوب كل من عاصروك لتبقى كامناً في اذهانهم رمحاً يظهر لسطح الفكر كلما ذُكرت الرجولة و الانسانية و العدل و الاعتدال ، سنين معدودة لم تستطع عليكَ صبرا و لم تستوعب كل ذلك .
و يكأنك أنجزت ما يزيد عن اضعاف عمرك و لم يبق متسعٌ في هذه الدنيا لعطاءٍ فردي أكثر من ذلك ؛ ليقول لك مالك الملك : أقبِلْ الي فقد قدمت ما يكفي في الدنيا ، كأنما انهيت مهمتك في وقت قصير فلم يعد هنالك شيء اخر .
و الله اذا أحب عبداً جعل حبه في قلوب الناس فإننا نعيش اليوم بحبِك و حبهم لك ، و لا نزكيك على الله إِلَّا ان قرينة حبه لك هي قرينة ربانيةً فقد استجاب لك ربك حينما دعوته جهراً بأن يقبضكَ قبل ان تشهد الصلح مع الكيان الصهيوني لأن قلبك المؤمن لا يعرف إلا العشق و لا يعرف اللون الرمادي و عقلك المتّقد لا يعرف أنصاف الحلول ، فلا زال يعيش آملاً بتحرير فلسطين كلها و ليس فقط الضفة الغربية ؛هنالك أكرمك رب العزة لترتقي اليه في التوقيت المناسب لك - و لا زلنا نحن نهيم بفراغك - فترجلتَ عن دنيا فانية لينصفك الموت الكريم فرحلت حراً لا تقبل الا العزة .
أبي العظيم :
كثيرٌ ما حدث خلال ستٍ و عشرين عاما يفوق كثيرا ما كنت تعتبره ضنكاً آنذاك، ما كان ليسرّك البقاء لتشهدَ أياً منها ؛ و ليت المسألة بقيت عند أوسلو و وادي عربة ؛ فقد سقط العراق العظيم ، و قُتلت الشام الحبيبة ، و مصرٌ لم تعد مصراً، و صار حال العرب ( كالهرّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد ) ذلك البيت التي كنت تردده كثيرا .
أما عن القانون الدولي فقد وضّح مفاهيمه اليوم ؛ فالمقاومة اصبحت ارهاباً ، و قتل الاطفال و العُزّل اصبح دفاعا عن النفس .
في حياتنا اليوم :ما استوجب التغيير استقر و ما استوجب الثبات تغيّر في مختلف المناحي ، و لن أروي لك عن حال مجالس النواب بعد مجلسكم و لن أقارن همومكم بهمومهم، و لن أروي لك عن الموازنة التي تضاعفت مديونيتها عشرين ضعفا و نحن كما نحن، و لم نعد نزرع القمح في سهول مادبا و شيحان و حوران، وصار يحيرنا أي أمرٍ جلل فلم يعد في المجالس من يجبرها قبل كسرها ، وقد ظهر الفساد في البر نهبا و في البحر نفطا سراً و جهراً، و كثيرٌ كثيرٌ مما لا تتسع لذكره ستة و عشرون عاما اخرى .
إِلَّا أنني أصدقك القول أن جيلاً حراً جديداً بدأت ملامحه تظهر و لطالما آمنتَ بهذه الأمة الوَلود التي مهما مرضت فلن تموت.
نعم ؛ قد ترجّلت و ارتقيت في الوقت الصحيح لترى ما يسرّ ناظرك عند رب عظيم بإذن الله ، أسأله تعالى أن يتقبلك في عليين و أن يجمعنا معك في الجنة إنه غفور رحيم.