بعيدًا عن الذاتية والشخصنة، والتدقيق نحو خلفية هذا الوزير أو ذاك، أصله وفصله، عمله ومرجعيته، مع الحراك أو ضده، الحصيلة الجوهرية أن حكومة الرزاز امتداد لحكومة الملقي، ليس فقط لأن أكثر من نصف وزراء الحكومة الحالية كانوا وزراء لدى الحكومة السابقة المستقيلة، 15 من 28 وزيراً، بل لأن من أتوا ليسوا أفضل حالاً ومعرفة وخبرة وولاء من الراحلين، ولم يسجل لهم الإبداع والتفوق والحضور حتى تتم المراهنة لهم أو عليهم، والذين بقوا من تراث الراحلة هم من الذين وافقوا وأقروا قانون الضريبة، وبالتالي كانوا شركاء في أسباب استقالة رئيسهم واستقالوا مع الملقي، على خلفية القانون استجابة لحراك الدوار الرابع.
ربع الحكومة من النساء ظاهرة جديدة، والأجد أن الرئيس ونائبه وعدداً من الوزراء من العاملين معاً في أحد البنوك على الطريقة الأميركية، أصحاب، أقارب، نسايب، كل هذه التعليقات وغيرها، قد تكون صحيحة وقد لا تكون، ذات قيمة وقد لا تكون، ولكن الشيء المؤكد أن حكومة الرزاز منحت الأردنيين فسحة التمتع بالقيل والقال، والتسلية الخفيفة والثقيلة بأحوال الوزراء طوال إجازة العيد، وهي ظاهرة أردنية تنمو مع ظاهرة الحراك العصري السلمي المدني، وهذا غير ضار، وغير مؤذٍ، تنفيس نفسي سياسي منهجي مدروس!!
بعيداً عن كل هذا وذاك، يتبين بوضوح أن المسألة لا تتعدى تغيير أشخاص، هم من داخل الصندوق الذي تتحكم به معايير ومصالح ومؤسسات نسميها وفق التعبير الأردني قوى الشد العكسي ووفق تعابير عربية مؤسسات الدولة العميقة، لا يستطيع أحد الفكاك من تأثيرهم، حتى ولو رغب أو حاول التخلص من نفوذهم، فالموضوع ليس تعنتاً أو تصلباً أو نزقاً، بل يتعلق بجوهر العملية السياسية في بلادنا، ففي مصر مثلاً خرج الملايين لميدان التحرير والشوارع المحيطة وغيروا شكل النظام مرتين خلال سنوات قليلة معدودة، إسقاط الرئيس مبارك في كانون ثاني/ يناير 2011، عبر العوامل الثلاثة المكملة:
1- حركة الشارع بإدارة مؤسسات المجتمع المدني، 2- الجيش، 3- القرار الدولي الأميركي الأوروبي، لصالح حركة الإخوان المسلمين، وتحرك الشارع بقيادة مؤسسات المجتمع المدني مرة أخرى في حزيران يونيو 2013، وأسقط الرئيس محمد مرسي وحكم الإخوان المسلمين، لصالح العسكر وعودة الجيش، بموافقة ورضى إقليمي عربي غير دولي، وفي الحالتين لم يكن الشارع وقوى المجتمع منظمين قادرين على توظيف التغيير لصالح الديمقراطية، والتعددية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع وانتخاباتها النزيهة.
في الأردن، الذي أسقط الحكومة وفرض استقالتها تحالف ثلاثي غير منظم، بين: 1- النقابات المهنية، 2- الأحزاب اليسارية والقومية، 3- مؤسسات المجتمع المدني، وتجاوب رأس الدولة جلالة الملك مع رغبات الشارع بإقالة الحكومة وسحب القانون الإشكالي، والنتيجة لم تكن مثالية، بل حكومة مكان حكومة، رغم كل المواصفات الإيجابية التي يمكن أن تُقال بحق هذا وضد ذاك، ولصالح هذا الوزير بما يتعرض مع ذاك، فالحال من بعضه، وامتداد إجرائي مثل لعبة التتابع وتسليم الرايات، سواء اختار الرئيس فريقه بمحض إرادته، أو اضطر لقبول فرض أحدهم أو بعضهم عليه، كما يقال، فالنتيجة واحدة، وهي دلالة أكيدة تترسخ أن التغيير يجب أن يبدأ من قاعدة تطوير الأحزاب السياسية العابرة للمحافظات والعشائر والمدن والأرياف، وقانون انتخاب يقوم على القائمة الوطنية التي تؤكد الهوية الأردنية الواحدة غير الممزقة وفق دوائر تنتج مخاتير لا نواب، فالنهوض لا يكون عبر الحكومة، لأنها أداة منفذة لعملية التغيير وتعبير عنها، وهي ليست صانعته، بل هي نتاج صانعها، وصانعها هو الوضع السياسي الاقتصادي الاجتماعي، الذي يحتاج للتغيير ليكون الحكم عندنا وفق حصيلته: حكم نيابي ملكي كما ينص الدستور وإلا ستبقى النتيجة كما لخصها أحد الوزراء الراحلين معبراً عن رضاه بقوله: «لقد تم تعديل راتبي التقاعدي إلى أربعة آلاف دينار، فشكراً لله وشكراً للحراك الشعبي».
h.faraneh@yahoo.com