عمون- والدي العزيز:
ودعتك وبودي لو يودعني صفو الحياةَ وأني لا أودعه
والدي .... في مثل هذا اليوم من العام الماضي اعتمت الدنيا في وجهي , وخيم الحزن علي وعلى بيتي, وأحاطت بي الهموم التي لم ولن يكن بوسعي تحملها واستيعابها , وهذا ما جعلني اقتدي بقول تذكرته لفاطمة البتول :
صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيامِ صرن لياليا
والدي .... إن ما كان سبب في عزائي وصبري على مصيبتي بفراقك لي هو قول الله تعالى : (كل نفس ذائقة الموت ) , فهذا حكم الله على كل مخلوقاته , ولا حول لنا ولا قوة .
دعوت عند الغسق ربي لرؤيا تشفيني لسماع صوت حبيب غاب ولم يزل يناديني
والدي .... اقسم لك - انك وإن فارقتني جسدا – فإنك لم تفارقني روحا , وأن ذكراك وذكرك لم ولن يغيبا عن بالي ولساني لحظة , وكذلك زوجتي وأولادي ؛ أولادي الذين تعايشوا معك منذ نعومة أظفارهم , وكنت تعطيهم من الحب والحنان أكثر مما تعطيني أنا وأكثر مما أعطيتهم أنا كوالدهم .
والدي .... لك وعد وعهد مني أن لا أنساك ما دمت حيا .... فكيف لي أن أنساك وأنت الأب والصديق والمعلم والقدوة .... كيف لي أن أنساك وأنت الذي كنت بجانبي في السراء والضراء والشدة والضيق .... كيف لي أن أنساك وعيني دمعت على فراقك وما زالت , ولكن لو استطاعت الدموع أن تعيد شيئا لأعادت نفسها للعيون .... كيف لي أن أنساك وقلبي بكى بكاءً سمعه الشجر والحجر ولم يزل .... كيف لي أن أنساك وقد جف قلمي عن الكتابة لرحيلك .... كيف لي أن أنساك وأنت نبض قلبي .... لا .... لا وألف لا .... لن أنساك يا أبي الحنون .... لن أنساك يا والدي العزيز .... لن أنساك إلى أن ألقاك في جنة الفردوس الأعلى بإذن المولى تعالى .
ان قلمي ليعجز عن الكتابة , ووصف ما بداخلي فمهما كتبت عنك ولك فإن ذلك لن يساوي شيئا ً, مقارنة بما قدمته لي , رحمة الله عليك .
أسألك يا من لا يرد الدعاء أن تجعله روضة من رياض الجنة ذلك القبر ، وأن تجعل من فيه في الفردوس الأعلى في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، أسألك يا من تمحو الخطايا وتتوب على التائبين وللذنب تغفر ، أن ترحم والدي رحمة واسعة وأن تجعل قلوب المحبين بذكراه تتعطر، وأن تجعلنا يا ربنا من الشاكرين الحامدين لك الراضين بالقضاء والقدر.
وأخيرا وليس أخرا , إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن , وإنا لفراقك يا أبي لمحزنون , ولا أقول إلا ما يرضي الرب , فجزاك الله عني خير الجزاء , وغفر لك , والله أسأل أن ينزلك منازل الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا , وأن يرحمك رحمة واسعة أنت وأموات المسلمين من عرفنا منهم ومن لم نعرف . اللهم جازه بالإحسان إحسانا , وبالسيئات عفوا وغفرانا , اللهم ارحمهما كما ربياني صغيرا , اللهم واجمعني به في جناتك جنات النعيم الأبدي , في مقعد صدق عند مليك مقتدر , اللهم وما مسه مني من أذى أو خلص إليه عني من مكروه , أو ضاع قبلي له من حق فاجعله حطة لذنوبه وعلوا في درجاته , وزيادة في حسناته يا مبدل السيئات بأضعافها من الحسنات .
اللهم ارحم من اشتاقت لهم نفسي وهم تحت التراب
الفاتحة على روحه الطاهرة