وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات .. خارطة الطريق
المحامي معتصم نصير
19-06-2018 09:33 AM
ما دعاني للكتابة في هذا اليوم هو مباشرة وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الجديد أعماله والبدء في "الإطلاع على عمل الوزارة واستكمال عمل زملاءه السابقين من الوزراء".
إن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ليست وزارة سيادية بالنسبة للبعض، اما الواقع فيقول بأنها سيدية أكثر من بعض الوزارات السيادية، فوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مرتبطة بكل شأن من شؤون المواطن كالأمن والتعليم والصحة والسياحة والمالية، فهي الجهة المسؤولة و/أو المشرفة على كل من برنامج الحكومة الالكترونية والتحول الالكتروني وأتمتة الاجراءات الحكومية والربط الالكتروني، ومستودع أسرار الحكومة ومركز مراسلاتها ومعاملاتها والتوثيق الالكتروني، وبيت مال المودعين في صندوق توفير البريد، وخدمات البريد والخدمات المالية البريدية وتوزيع المعونة الوطنية وتحصيل الأموال وتوزيعها في شركة البريد الأردني، وأسماء النطاقات الوطنية والانترنت الحكومي الآمن وصمام الأمان من الهجمات الالكترونية وإدارة محطات المعرفة في مركز تكنولوجيا المعلومات الوطني، والأهم من ذلك الإدارة المركزية المسؤولة عن جميع العطاءات الحكومية المتعلقة بالتحول الالكتروني والبنية التحتية الالكترونية وشبكة الألياف الضوئية الوطنية، وأحد المساهمين الرئيسيين في شركة الحوسبة الصحية وهي مركز الوصل بين الحكومة وبين هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، وهي الوزارة المختصة بالإشراف على جمعيات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهي الراسم لسياسة قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبريد وهي المسؤولة عن تدريب وتشغيل خريجي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ودعم رياديي الأعمال، واتفاقيات التعاون في مجالات خريجي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبريد مع الدول والهيئات الرسمية والخاصة، وهي الجهة المسؤولة –في وقت سابق- عن قانون الجرائم الالكترونية الذي حل محل قانون جرائم أنظمة المعلومات ... الخ
ولتوضيح مغزى المقالة، فإنه ومن خلال اطلاعي على عمل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فيجدر الاهتمام بالمسائل التالية التي تقع ضمن اختصاص وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات:
أولا: التدرج الإداري داخل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات:
باستثناء وحدة الرقابة الداخلية التي تتبع الوزير قانونيا، لا يوجد داخل الوزارة جهة مستقلة أو تتبع الوزير مباشرة، حيث تم التعديل على الهيكل التنظيمي من خلال نظام نظام التنظيم الإداري لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لسنة 2015.
وقد كانت هناك أصوات تنادي بتبعية بعض الإدارات للوزير مباشرة، لغايات تنفيذ رؤية المملكة بالتحول الالكتروني دون تدرج إداري وأعتقد أن وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والذي هو خبير في هذا المجال وخاصة عطاءات البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يمكنه الإشراف المباشر على الإدارات ذات العلاقة، كما أنه من وجهة نظري فإن وحدة الشؤون القانونية يجب أن تتبع الوزير مباشرة، أما المستشار القانوني (المحامي) فلا يتبع أحدا من الناحية الإدارية كونه مستقل في رأيه وعمله وفق القانون.
وأعتقد كذلك أن على الوزارة البدء بتأهيل البديل / البدلاء المناسب لتولي المناصب القيادية التي ستشغر مستقبلا.
ثانيا: عطاءات التحول الالكتروني وشبكة الألياف الضوئية.
كانت الحكومة في وقت سابق قد أوكلت مهمة لجنة العطاءات الخاصة وتمثيل "صاحب العمل" إلى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتي تطرح العطاءات بموجب نظام الأشغال الحكومية، ووفق النظام فإن اللجنة تتخذ قراراتها بالتنسب إلى كل من وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات و/أو وزير الأشغال العامة حسب الحالة، وأبدي بهذا الشأن ما يلي:
1- على الرغم من أن عطاءات التحول الالكتروني وشبكة الألياف الضوئية تقدر قيمتها بمئات الملايين، إلا أنها منطقة محظورة وإن الدور القانوني فيها محدود ومحدود جدا ويقتصر على طلب إبداء رأي محدد وفي مراحل ومسائل معينة فقط، ولا يمكنني التحدث بالتفصيل، إنما أقترح بهذا الخصوص تعيين مستشار قانوني (مستقل) لكل مشروع وفق أحكام نظام الأشغال الحكومية يبدي الرأي القانوني أولا بأول ويحضر جميع جلسات اللجنة ويرفع التقارير للوزير والوزير المختص، علما بأن هناك مطالبات من قبل القطاع الخاص برفع مستوى الشفافيه في العطاءات الخاصة بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
2- إن شبكة الألياف الضوئية الوطني والتي تعتبر أنبوب الأوكسجين للمستشفيات والمدارس الحكومية تخضع لدراسات الخصخصة بعد أن تم بنائها بمئات الملايين من عوائد التخاصية والمخصصات الحكومية والهبات والتبرعات وخاصة المنحة الخليجية، وذلك بمبرر أن القطاع الخاص أقدر على صيانتها. وإنني أبدي بأن تكاليف صيانة الشبكة أقل من عوائد تأجير الشعرات الألياف الضوئية (الحالية والممكنة) ناهيك عن التوفير في كلف خدمات الانترنت للمدارس والمستشفيات والمؤسسات الحكومية التي يجب احتسابها. وأقترح بهذا الخصوص عدم نقل ملكيتها الى شركة خاصة او حتى شركة مملوكة للحكومة ويمكن الاقتصار على منح حق إدارتها "فقط" الى شركة بمشاركة القطاع الخاص فقط.
ثالثا: برنامج الحكومة الالكترونية
بعيدا عن العطاءات، فإن برنامج الحكومة الالكترونية يعني التطوير والابتكار وفي بعض الحالات نقل المعرفة وتطبيقها، والواقع يقول بأن الأردن كانت تنافس دولة عربية واحدة في الخمات الحكومية الإلكترونية بينما أصبحت تنافس معظم الدول العربية، وأذكر بأن البنك المركزي سبق الوزارة في الدفع الالكتروني (في مراحل سابقه) رغم أن الوزارة بدأت مشروع الدقع الالكتروني منذ وقت طويل، وأعتقد أن الوزارة اهتمت وتهتم جدا ببرنامج الحكومة الالكترونية الذي يمكن أن يحقق أهدافه بسرعة ودقة إذا ما تم منح الاستقلالية التامة لفريقه.
رابعا: صندوق توفير البريد.
إن موضوع صندوق توفير البريد شائك ومعقد لدرجة كبيرة فهو مؤسسة مالية تشرف عليها وزارة غير مختصة، ومع ذلك فالصندوق فرصة استثمارية لم يتم استغلالها من قبل الحكومة ويجب الإهتمام بالصندوق من النواحي الإدارية والرقابية والقانونية لمعالجة العقبات المتراكمة عبر السنوات الكثيرة السابقة أو ترك مسألة الإشراف على إدارته الى جهة حكومية أكثر خبرة بالشؤون الماليه.
خامسا: شركة البريد الأردني.
إن شركة البريد الأردني لديها امكانيات ضخمة، ولعل أهم انجازات إدارة شركة البريد الأردني الحالية هي التوقف عن استخدام الأموال الخاصة بالغير وتطبيق الأسس التجارية في إدارة الشركة، ولولا الديون المتراكمة سابقا لكانت الشركة تحول فوائض مالية للخزينة، إلا أن تراكم المطالبات السابقة يعيق الحركة التصحيحية التي تقودها الإدارة الحالية مما يجب معه توفير الدعم الكافي والمحاسبة الفعالة، كما ان بعض التدخلات أو القيود الإدارية قد تتسبب في ابطاء نمو الشركة.
سادسا: مركز تكنولوجيا المعلومات الوطني
إن الدور الذي يقوم به مركز تكنولوجيا المعلومات الوطني دور كبير ومؤثر وإن رأى البعض خلاف ذلك، ولعل أكبر العقبات التي تواجه المركز هي الشد والجذب في ابقاء أو الغاء المركز الأمر الذي تم عرضه على مجلس الناب وسحبه أكثر من عشر مرات خلال الاعوام 2010-2018، فتارة تتحدث الحكومة عن تمكين المركز وتارة أخرى عن دمجه أو إلغاؤه، مما يجب معه إصدار قرار حاسم وتنفيذه بهذا الخصوص حتى يتمكن القائمون على المركز، سواء بشكله الحالي أو خلاف ذلك، من ممارسة مهامهم بهدوء دون تأثير (العامل النفسي)، ويضاف الى ذلك بعض المسائل الوظيفية التي تحتاج لمعالجتها منعا لتسرب الموظفين الأكفاء كما حصل في كثير من الحالات.
سابعا: شركة الحوسبة الصحية (حكيم):
تكمن اهمية شركة الحوسبة الصحية (شركة لا تهدف الى الربح) في أنها الجهة التي تنفذ مشروع (حكيم) الخاص بالملفات الطبية الالكترونية وهي تمتلك شركة الحوسبة الصحية الدولية (تهدف الى الربح) لتنفيذ مشاريعها ومشترياتها، وقد قامت الشركة بتوقيع عقد مع جميع المؤسسات الصحية وعدد من الوزارات لتقديم خدمات الشركة بقيمة تزيد على مائة وعشرون مليون دينار أردني من مخصصات المنحة الخليجية مما يجب أن يكون هناك دور أكبر لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في عمل الشركة.
ثامنا: الشؤون القانونية:
مما لا شك فيه أن كل شأن من شؤون الأمة مرتبط بالقانون وأن تطبيق القانون بعدالة هو أهم مقومات نجاح أي سلطة فالعدل أساس الملك، وإن مخالفة روح القانون كانت السبب المباشر لإستقالة الحكومة السابقة، التي وضعت نصوص تجريمية وعقابية بشكل "تعسفي" كما وجدت على الصفحة الرئيسية لموقع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الجملة الشهيرة ("التهرب الضريبي هو جريمة تعادل اختلاس المال العام" ٣٠ نيسان ٢٠١٨) وكم أرجو حذف هذه الجملة من موقع الوزارة الالكتروني ووضع جميع التشريعات الناظمة لأعمال الوزارة علها تنفع الناس.
إن كثرة المهام المناطة بالوزارة وتعقيداتها كما ورد اعلاه يحتم وجود خبرات قانونية كفؤة ومؤهلة على دراية ومستقلة وبعيدة عن تعارض المصالح أو تحقيق المصلحة للذات أو الغير ومجردة من كل تأثير ولا تخضع للإغراءات أو الإملاءات وتخصص الوقت والجهد الكافي للوزارة، وإن هذه الصفات لا يمكن أن توجد على قارعة الطريق، وأذكر أن مجموع امتيازاتي خلال السنوات السبع السابقة لا تساوي نصف أتعاب أحد المحامين في قضية ما قد رفضت خلال فترة خدمتي للوزارة أي عمل أو وكاله لأي جهة يمكن أن تتعارض مصالحها مع مصالح الوزارة على الرغم من أن القائمين على الوزارة هم من نسبوا بإسمي لتلك الجهات وقد ثبت في جميع الحالات بأن هناك مسائل تتداخل فيها مصالح تلك الجهات مع مصالح الوزارة ولو بعد حين.
ولعل ظروف الوزارة سواء من ناحية المخصصات المالية أو غيرها قد اقتضت بأن يكون هناك مستشار قانوني وحيد للوزارة لفترة طويله يتحمل كامل الاباء القانونية إضافة إلى باحث قانوني فقط. وقد قامت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مؤخرا وتحديدا في شهر 4 من هذا العام بتعيين مكتب قانوني - السادة الحموري ومشاركوه وهم محامو شركتي الحوسبه الصحية والحوسبة الصحية الدولية التابعتين للحكومة (قبل تشكيل الوزارة الحالية).
وآخر ما أود الإشارة اليه بخصوص الشؤون القانونية هو أن طبيعة المحامي أو المستشار القانوني الاستقلالية وفي بعض الأحيان يتم التمسك بالرأي حماية للمال العام والصالح العام ، وإن الرأي القانوني لا يلزم الجهة الإدارية وإنما يهدف الى بيان الصواب خاصة عندما يتعلق الأمر بالدستور والقانون الإداري والعمل العام، فالمرونة عند تنظيم العقود لا تنسحب على قبول المخالفات القانونية.
تاسعا: قانون الجرائم الالكترونية والتشريعات ذات العلاقة بعمل الوزارة:
إن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هي أول من أخرج قانون جرائم أنظمة المعلومات الى النور في العام 2010 وهي من وضع الصيغة النهائية لقانون الجرائم الالكترونية قبل إرسالها الى مجلس النواب عام 2015، ولكن تم إضافة مادة من قبل مجلس النواب، وبعد العام 2015 ازداد عدد الجهات المرتبطة بالقانون مما أنتج مشروع القانون المعدل الذي أقرته الحكومة السابقة وأرسلته إلى مجلس النواب قبل استقالتها بأيام، ولن أدعي معارضتي المطلقة لمشروع القانون المعدل (الذي تم اقتراح نصوصه من قبل وزارة أخرى)، ولكنني سأدعي بأن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات كانت في القوانين التي تعدها تنظر الى الأثر الاقتصادي والاجتماعي عند صياغة نصوص التجريم وليس إلى توسيع نطاق التجريم ليشمل كل ما يمكن تجريمه أو تشديد العقوبات كما هو الحال في مشروع القانون المعدل الأخير الذي تبنته أكثر من جهة، وأذكر أن ما كان مطروحا من مختلف الجهات كان أكثر بكثير مما أقره مجلس الوزراء السابق.
ولعل الوزارة لا زالت بحاجة إلى الانتهاء من صياغة وعرض عدة قوانين، منها قانون حماية الخصوصية الذي احتاج الى تعديلات كثيرة خلال الفترة السابقة نظرا لتطور مفهوم الخصوصية الى مرحلة التلاشي مع ظهور تقنيات الحسبة السحابية والبيانات المفتوحة والبيانات الضخمة.
وهناك نظام ترخيص واعتماد جهات التوثيق الالكتروني الذي صدر بموجب قانون ملغي والذي تم تعديله دون استشارة الوزارة والذي يحتوي على اختلافات بالتعريفات والنصوص والمفاهيم وتعارضها مع بعض نصوص القانون الذي يسمو على النظام وقد صدرت بموجبه تعليمات بشكل مخالف للقانون –برأيي-، مما يتوجب معالجته.
عاشرا: الكفاءات البشرية
منذ عدة أعوام، وعلى فترات متقطعة، يغادر الموظفين الأكفاء الوزارة لأسباب "كما سمعتها منهم" مذكورة في مكان ما في هذا المقال، ومن خلال تجربتي، فإن أهم أسباب خروج الكفاءات هو الانتقاص من الموظف والاعتقاد بأن أي كان يمكنه أن يحل مكانه وأن الموظف هو منفذ للتعليمات ليس إلا، والأخطر عبارة "الوزارة ماشية بيك وبغيرك".
ولعل أسهل طريقة لعدم تقدير الشخص المناسب هي تقدير الشخص غير المناسب.
حادي عشر: شراء خدمات الكوادر البشرية:
إن شراء خدمات كوادر بشرية وفق نظام الأشغال أو اللوزم مخالف لنظام الخدمة المدنية وقد قرأنا وسمعنا عن اعتراضات النواب بهذا الخصوص كما أن توجه الحكومات السابقة للحكومة السابقة هو انهاء شراء الخدمات وتسكين الوظائف الذي استنفذ أموالا طائلة ووقتا كبيرا وجهود مضنية، كما أنه يغرر بالشخص المتعاقد معه الذي يترك عمله ظنا منه بأنه موظف حكومي ليكتشف بأنه لا يستطيع أخذ راتبه إلا بعد عدة موافقات وبشكل شهري، ولعل من أفتى بجواز شراء الخدمات للحكومة السابقة ظلم كلا الطرفين الحكومة والشخص المتعاقد معها.
وإن ما سبق هو تصور خاص بجزء يسير من جوانب عمل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بناء على خبرتي، والتي أرجو أن تكون ذات قيمة مضافه.
المحامي معتصم نصير
عمل سابقا كمستشار قانوني لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لمدة ثمانية أعوام