"الرزاز" بين عواصف التأييد والمعارضة خلال الأيام الأولى بعد تشكيل حكومته
محمد الحسيني
19-06-2018 12:38 AM
اعتبر غالبية المتظاهرون الذين خرجوا الى شوارع المحافظات الأردنية والعاصمة عمان أن حكومة الرزاز هي الحكومة التي حازت على ثقة شعبية حتى قبل أن تبدأ، ورأوا أن القصر تفاعل وبشكل إيجابي مع مطالب الشارع الأردني من خلال سلسلة من الخطوات بدأت بالإيعاز لحكومة الدكتور هاني الملقي بإيقاف العمل بزيادة تعرفة المحروقات والكهرباء مرورا بقبول استقالة الملقي نفسه او اقالته والأمر سيان، وصولا الى تكليف الدكتور عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة وهو شخصية تلقى قبولا لدى النخب وفي الشارع وهو ما تم قراءته بأنه رد فعل إيجابي ومتعاطف مع المواطنين بشكل عام والمحتجين بشكل خاص، ويمكن تأكيد ذلك من خلال تصريحات الملك التي ابدى فيها غضبا على الوزراء المتقاعسين، إضافة الى ما ورد في كتاب تكليف الرزاز من عبارات من قبيل وصف الاحتجاجات بأنها "ممارسة راشدة" على سبيل المثال.
التوقعات ارتفعت بشكل غير معقول وغير منطقي، وتحولت نغمة النقد التقليدية لأي حكومة أردنية جديدة الى قصائد مديح ورسائل تفاؤل، وقلة هم الذين أبدوا حذرا في التعامل مع التطورات الجديدة، وبذلك وضع محبو الرزاز الألغام في طريقه قبل أن يبدأ، وتخيل الشارع ان الرجل سيشكل حكومته بطريقة ثورية بعيدة تماما عن النهج الكلاسيكي في تشكيل الحكومات في بلد تحكمه توازنات داخلية معقدة تلعب دورا أساسيا في تشكيل أي حكومة بغض النظر عن اسم وشخص رئيسها.
وبناء على ما سبق كان من الطبيعي أن يكون هناك شعور بالصدمة بعد اعلان أسماء الوزراء، خاصة مع عودة خمسة عشر وزيرا من حكومة الملقي الى مكاتبهم، ليصف البعض بأن ما حدث هو تعديل وزراي شمل رئيس الوزراء وليس تغيير حكومة، وأشار كثير منهم الى النقد الشديد الذي وجهه الملك للوزراء في لقائه مع الإعلاميين، مستغربين ان يعود هذا العدد الكبيرة من الوزراء الى الحكومة على الرغم من الغضب الشعبي على الحكومة السابقة وكلمات النقد القاسية من الملك، وفي نفس السياق، عبر اخرون عن خيبة أملهم في استمرار نهج تشكيل الحكومات في البلاد على ما هو عليه، مؤكدين أن الرزاز لم يضف جديدا باستثناء توزير عدد من أصدقائه ومن عملوا معه سابقا.
الرزاز وفي محاولة توضيح أسباب عودة وزراء الحكومة السابقة قال في منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي أن " لهدف من التغيير الحكومي لم يكن تغيير كل الوجوه وإنما تشكيل فريق اقتصادي يدرك الأبعاد الاجتماعية للقرارات المالية وفريق خدمي لديه أهداف محددة عليه أن يحققها ويسائل ويحاسب عليها"، وبهذه العبارة ارسل الرزاز اكثر من رسالة، أهمها أن الأولوية القصوى لحكومته تتمثل في إعادة صياغة السياسات الاقتصادية للدولة الأردنية لتكون أكثر حساسية للبعد الاجتماعي، وثانيها ان عملية الإصلاح السياسي المنشود ستظل تسير على نفس الوتيرة دون احداث أي تغيير ثوري، وهو بالمناسبة ما يمكن أن نطلق عليه "النهج الأردني في الإصلاح" والذي يستند الى قادة التدرج وليس الثورة “evolution not revolution”
في تفاعل الأردنيين مع الرزاز وحكومته يمكن أن نرى مؤيدين وغاضبين، المؤيدون على قناعة بأن شخصية الرئيس وما يحمله من فكر سيقودان الى تغيير مطلوب في السياسات، وأن الرزاز وحكومته يستحقان فرصة ومساحة من الزمن قبل الحكم عليهم، على الأقل اسوة بالحكومات التي سبقته، بعض المؤيدين بالطبع هم ممن يعتبرون وجود بعض الوزراء الجدد انتصارا لأفكارهم وتوجهاتهم، وأن وزراء مثل وزير الاتصالات مثنى الغرايبة ووزيرة الثقافة بسمة النسور ووزيرة الطاقة هالة زواتي ووزيرة الاعلام جمانة غنيمات هم شخصيات يرى البعض أنها تملك فكرا من خارج الصندوق الحكومي التقليدي، وأن هذا الفكر لا بد وأن ينعكس على أدائهم وبرامجهم في وزاراتهم وبالتالي على أداء الحكومة وبرنامجها بشكل عام، وهنا علينا ان لا نغفل طبعا الجانب الشخصي في الموضوع، حيث يرتبط الكثير من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمع المدني بعلاقات إيجابية مع الرزاز نفسه وعدد من الوزراء الجدد.
أما الغاضبون من الرزاز وحكومته فيمكن تقسيمهم الى مجموعات، تمثل الأولى مجموعة المواطنين المتحمسين الذين توقعوا أن يتم تغيير سياسة تشكيل الحكومات في يوم وليلة، وهؤلاء يمكن وصفهم بالحالمين والمنفصلين عن الواقع، اذ لا يمكن فعليا ان تتغير الية تشكيل الحكومة بين ليلة وضحاها، خاصة في ظل غياب دور مؤثر وحقيقي لمجلس النواب الذي يتعرض هو الاخر لكم هائل من السخط والغضب، ولذلك فلا منطق في بناء أمل غير واقعي لتغيير نهج تشكيل الحكومات ضمن المعطيات الموجودة حاليا على الساحة.
المجموعة الثانية تتمثل فيمن يمكن ان نسميهم "المستوزرين" وهؤلاء هم الأشخاص الذين توقعوا دخول الحكومة الجديدة، اما لأنهم من معارف وأصدقاء رئيس الوزراء الجديد، أو لأنهم من القيادات في العالم الافتراضي أو في مؤسسات المجتمع المدني، وما ساعد على تعزيز هذه الصورة لديهم هو الكم الكبير من القوائم التي تداولها الناس حول الأسماء المرشحة لدخول الوزارة، والتي تكررت فيها أسماء جعلت البعض يبقي بطارية هاتفه المحمول في حالة شحن كامل انتظارا لمكالمة متوقعة من رئيس الوزراء، ومعظم هؤلاء شعروا بالصدمة عندما تم اعلان التشكيل الحكومي، وقفزوا فورا من حالة التأييد للحكومة الجديدة الى حالة الهجوم عليها وعلى وزرائها.
أما المجموعة الثالثة فهي التي لم تؤمن بالرزاز منذ البداية باعتباره يمثل الليبراليين المنفصلين عن واقع البلاد، هؤلاء لا يمكن ان يقنعهم أي رئيس وزراء غير مطابق للمواصفات التي يضعونها، فهم يريدون رئيسا ينتمي إليهم كما يقولون، ويحالون دائما استحضار نماذج قديمة لرجالات الدولة باعتبارها القادرة على احداث اصلاح حقيقي يعيدا عن المجموعات التي يعتبرونها طارئة على الدولة الأردنية.
وبالطبع هناك مجموعة رابعة تعترض بشكل مبدأي على نهج تشكيل الحكومات في البلاد بشكل عام وترى أن تكليف الرزاز وطريقة تشكيل الحكومة هي امتداد للنهج السائد، وبالتالي يعتبرون انه لم يستجد جديد يغير موقفهم من هذا النهج، يضاف اليهم طبعا المجموعات المعارضة للسياسات الاقتصادية والسياسة المطبقة في الأردن، والذين لا يرون حتى الان أي اختلاف بين الرزاز ومن سبقه الا في بعض التفاصيل غير المؤثرة، هذه المجموعة يمكن أن تغير موقفها في حال رأت برنامجا حكوميا اصلاحيا واضحا، وقد خاطب رئيس الوزراء هذه المجموعة في منشوره الأخير حيث قال " إن رأيتم من الحكومة ما يلبي طموحاتكم - وهذا واجبنا جميعا - فلا ننتظر إلا دعمكم، وإن رأيتم منها ما لا يرضي المواطن - لا سمح الله - فواجبكم تصويبنا بصراحتكم وأسلوبكم الراقي الذي نفاخر به"
بين كل هذه العواصف التي رافقت تكليف الرزاز وتشكيل حكومته، حاول الرئيس في منشروه الأخير ان يرد على حملات النقد التي طالت وزراءه، خاصة وأن بعض الوزراء قد طالهم هجوم شخصي وصل الى حد التعدي على حياتهم الخاصة، وهنا حاول الرزاز ان يضع نفسه في مواجهة ما يتعرض له وزراءه من خلال التأكيد على ان اختيارهم هو مسؤوليته الكاملة من جهة، والتأكيد كذلك على انهم يملكون الكفاءة المطلوبة للقيام بواجباتهم.
بكل الأحوال، وعد الرزاز الأردنيين بالإعلان عن حزمة إجراءات خلال أسبوع، وعلى الأغلب فإن هذه الإجراءات ستكون ذات طابع اقتصادي واجتماعي، خاصة وأن الدعم الذي تلقه الأردن مؤخرا من دول الخليج سيعطي الحكومة مساحة مريحة للعمل دون ان تكون تحت ضغط مالي ملح وطارئ، وأكد رئيس الوزراء الأردني كذلك على انه سيتم الإعلان عن أدوات للتواصل والحوار سعيا الى "مشاركة واسعة في صنع القرار"، واذا كان البعض قد رأى في تشكيل الحكومة امتحانا أول للرزاز، فأن امتحانه الثاني قد وضعه بنفسه بعد هذا الوعد، ولا شك بأن الأردنيين سيتابعون ويقيمون جيدا ما سيصدر عن الحكومة خلال أسبوع.