حكومة الرزاز .. قراءة بعين الحرص الوطني
د.طلال طلب الشرفات
19-06-2018 12:34 AM
لستُ مع أولئك الذين ذهبوا في تحليلاتهم الإنفعالية إلى القلق من شكل الحكومة الجديدة وشخوصها ؛ لأني أدرك وبحكم تجربتي المتأنية أن المزاج العام الأردني يرضخ للإنطباعية في تقييم الأشخاص، وبخاصة تلك المتعلقة بالمواقع السياسية، ومرد ذلك يعود لترسّخ مفهوم الهويات الفرعية المتفاقمة منذ قدوم قانون الصوت الواحد في مطلع تسعينات القرن الماضي، وهو ما انعكس بشكل جوهري على منظومة القيم الوطنية والديمقراطية بشكل عام ممّا ولّد شعوراً رغائبياً يدعم فكرة البراجماتية الضيقة في استدعاء النخب وإقصائهم.
كنا ندرك بواقعية لا تخفى على أحد ؛ أنَّ لشخص الرئيس دائماً، ونوابه احياناً في الحكومات الأردنية–أي حكومة–الدور الأساس في رسم النهج وتنفيذه فإن المخاوف المعلنة التي اجتاحت وسائل التواصل ليس لها ما يبررها في هذا الظرف في ظل رئيس اتفقنا جميعاً على نزاهته، وشفافيته، وصلابة قراره، وحكمته، وسعة أفقه، ونائب له بحجم رئيس في المعايير الأخلاقية والوطنية؛ لما يتمتع به من حكمة، وأناة، وحلم، وخبرة، ونزاهة، ويحظى بثقة كل النخب في المعارضة والموالاة على حدٍ سواء.
ليس منصفاً أن نقرر على حساب حق التجربة والأختبار، ولا يجوز البتة أن نزرع بذور الإحباط في حقل المشروع الوطني الجديد في صياغة عقد تحترم فيه إرادة الناس وتعاد فيه الهيبة للمؤسسات الدستورية وسيادة القانون، ويصاغ فيه الخطاب الوطني بلغة الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص وقبول الأخر، والعيش المشترك وتنبذ فيه المحاصصة المقيتة والاستقواء على الدولة والشعب؛ فيضحي الحوار الديمقراطي هو مفتاح القرار الوطني المسؤول، ونلفظ كل أدوات الشد العكسي، والاستقواء، والتخويف، والتخوين، ونحرر الحكومة معنا من سيطرة وتأثير بعض الأشخاص الذين فشلوا في أداء واجبهم الوطني يومذاك، ويحاولون إفشال كل تجربة جديدة.
علينا الإتفاق ومن الواجب الإدراك أن الظروف التي تحيط بمتخذ القرار تختلف كلياً عن تلك المتعلقة بمن يراقب الحدث من الرأي العام، وأن المعلومات المتوفرة لدى الأول مختلفة كلياً عن الثاني، وأن القرار دائماً أسير المعلومة، وبدون إدراك مضامين الصورة الكليّة للحكومات الأردنية؛ يصبح الرأي مجرد انطباع قد يتبدد أمام أول مصارحة أو مكاشفة، فالرئيس الذي أوقف الإحتجاجات في كل أصقاع الوطن بتصريح مقتضب يستحق منا أن نمنحه فرصة معقولة لتطبيق برنامجه، واختبار نواياه، وإذا كنّا لا ننكر أن الفريق الحكومي ليس مثالياً في شكله إلاَّ أن ذلك لا يعطينا الحق في محاولة إفشال التجربة وتقويض برامج الأصلاح.
أعرف أكثر من ثلثي الفريق الوزاري بإستثناء الرئيس الذي لم ألتقه ولكني أثق بنواياه ونهجه، وأعي مدى نزاهته وشفافيته بموضوعية، بعيداً عن الأنطباعية؛ فالصورة الكليّة لنهجه تبعث على الأمل، وله حساسية مفرطة من الفساد والفاسدين ورجل ديمقراطي يحترم شرعية الاختلاف دون خلاف، ونائب الرئيس شخصية وازنة متزنة ومحافظ متنور يعي ضوابط ايقاع الدولة ومحدداته ويجرؤ على النصيحة بصلابة متى لامست مخاوفه أراكان الدولة ومبررات استقرارها وعفيف متعفف عن المواقع العامة إلاَّ حيثما يوجب نداء الوطن، وفي الفريق الوزاري شخصيات متزنة، وواعية وبعضها لم يُختبر بعد، سِقتُ ذلك لأقول أنَّ التسرع في إصدار الأحكام لا يخدم الوطن، ولا يعيد بناء مفهوم الدولة والحكومة بثوب جديد.
في ظني – وأرجو أن يلامس اليقين – أن رئيس الحكومة سيعيد بناء مفهوم المؤسسات الرقابية في حلَّة جديدة بعيداً عن مظاهر الإستقواء، والتغول، وتحجيم الادوار، والسطو على سيادة القانون؛ من خلال سياسات وتشريعات وشخوص ورؤى تعيد للمال العام حرمته، وللثقة العامة ألقها المصادر منذ زمن بعيد، فنائب رئيس الحكومة هو من أكثر الشخصيات الوطنية إطلالة على مفهوم النزاهة ومكافحة الفساد، ومتطلبات عمل المؤسسات الرقابية، فقد كان يرأس اللجنة الملكية للنزاهة ومكافحة الفساد وله رؤية وطنية تحترم في هذا الاطار.
ستقدم الحكومة خدمة جليلة للوطن إن نجحت في تعديل قانون الكسب غير المشروع ووضع وسائل قانونية لمراقبة نمو الثروة والإثراء غير المشروع، ووضع ضوابط قانونية، أو قضائية تقترن بالنزاهة لإشغال الموقع العام في الحكومة والبرلمان، وسنجتمع في الدوار الرابع تأييداً للحكومة إن نجحت في تعديل التشريعات الناظمة للحفاظ على المال العام والثقة العامة، ووضعت ضوابط دقيقة للعطاءات العامة والشراء الموحد وفقاً للتجارب الدولية الناجحة في أوروبا وشرق أسيا وإعادة النظر في قطاع الغذاء والدواء؛ من حيث جدوى الرقابة، وشفافيتها، وتفكيك خلايا الاعتداء على المال العام المحترفة التي تُطوِّع النصوص القانونية لخدمة الفساد، وهي فرصة للحكومة لتعزيز ثقة الشعب وخدمته بأخلاص.
في إطار الحرص الوطني ليس لنا خيار سوى الوقوف مع الحكومة في خندق الوطن، واعطاءها فرصة تطبيق برنامجها، فما حدث في الشهر الماضي وانعكس إيجابياً على الدولة–بحمد االله- فإن تكراره مرة اخرى في هكذا ظرف؛ سيؤدي إلى نتائج عكسية، ويشوّهُ الصورة الناضجة للإحتجاجات السابقة، نعود معها إلى المربع الأول الذي لا يخدم أحداً، وحمى االله وطننا الحبيب من كل سوء.
الرأي