كنت أول من نشر ملاحظاته حول التشكيلة الحكومية، وها أنا ذا ..أول من يطلب بمنحها الفرصة، علما أنني كنت من دعاة إصلاح التشوهات في حكومة الملقي وليس إقالتها، والسبب ليس فقط لأنني أزعم بأن الملقي أبلى حسنا لولا وزراء التأزيم في حكومته، ثم اضطراره الى عدم التواصل بعد فقدان الثقة بإعلامها، وسقوطها في شرك تبادل المصالح بين الوزراء الضعاف في الحكومة السابقة وكثير من النواب في البرلمان، إنما سبب عدم تأييدي لتغيير الحكومة متعلق بنا نحن معشر الشعب، فليس كل ما يقوله بعضنا صحيحا، وليس هناك ما هو أسهل من التهجم على الحكومات ووضعها في زوايا حرجة تكبّلها، وتضعفها وتجعلها عرضة للحملات الاعلامية الشعبية التي يحركها أصحاب حسابات ضيقة، ومستوزرون ومسترئسون ومتمدرنون وغيرهم كثر.. إن نصف أزماتنا الحرجة تم تجاوزها بسبب استقرار حكومة النسور، حيث سبقتها حكومات متتابعة سقطت واحدة تلو الأخرى، وليس السبب إخفاقاتها بقدر ما هو حملات تأزيم يقودها من رفعوا شعار "لعيب او خريب"!..
هل حقا يريد الرافضون للتشكيلة الوزارية تعديلا عليها أو إقالة للرزاز؟! إن كانت الإجابة بنعم فنحن بلا شك لا نهتم باستقرار وطن ولا حكومات وننشغل بالثانويات مقارنة مع حدة مشكلاتنا وظروفنا، لأن أية تشكيلة حكومية مهما كان أعضاؤها، سوف تجد من يرفضها ويطالب بتغييرها، وسوف نعود الى قعر القمقم وليس عنق الزجاجة أو عمق الماسورة.. هل يمكن لأحد أن يقدر ثمن الكلفة السياسية التي ندفعها جراء مثل هذه الحملات؟ هل تعتبرون خطابنا الشعبي المعارض ما زال ملتزما بمحاور وأعراف وطنية يقبلها الجميع؟ وهل حقا وصلنا الى النقطة التي نريد فيها كتابة عقد اجتماعي جديد مع الدولة والنظام؟ ..أعتقد بان السؤال الأخير مهما كانت الإجابة عليه فهي دليل على انحراف الخطاب والحوار العام، والمؤسف أن مثل هذا التغيّر يأتي في وقت حرج سئمنا فيه حتى الواقعية والموضوعية!.
الملاحظات على التشكيلة كثيرة، والحديث عنها وجيه، وهذا أمر أنا شخصيا اول من كتب عنه، وعندي معلومات لم يذكرها أحد عن طريقة التشكيل والجهات التي تدخلت، لكنها لم تعد معلومات مهمة، لأن الحكومة أقسمت اليمين أمام جلالة الملك وأصبح أمرها في يد النواب، ولا أؤيدهم بعدم منحها الثقة، لأنهم "النواب بالذات" لا يكون كلامهم منطقيا حين يطالبون بتجانس الفريق الوزاري، فهم أكثر جهة تزخر بمفارقات عدم التجانس، علما أن التجانس في مثل هذه الحالة أمر شكلي، لا علاقة له بالبرنامج السياسي ولا يمكن قبوله كسبب يمنع أحد المواطنين من أن يكون وزيرا، أي ليس هناك من سبب قانوني او دستوري – حسب معلوماتي المتواضعة بالقانون والدستور وتفسيراته- يثبت أن يكون أحد أعضاء هذه الحكومة غير مؤهل دستوريا او قانونيا أو أخلاقيا، فجميع الوزراء معهم "عدم محكومية"، وجميعهم مثلنا "مواطنين"، وتبعا لطريقة تشكيل الحكومات المرتكزة على صلاحيات جلالة الملك الدستورية، فمن حق الرئيس المكلف أن يستعين بالفريق الذي يعتقد بأنه يمكنه تحمل المسؤولية، والقيام بها حسب القسم الدستوري الذي نعرفه، وإن أردنا الإنصاف فكل ما يقال عن التشكيلة يصلح للحديث عن أية تشكيلة حكومية، وهذا ما سبق لجلالة الملك قوله قبل أيام "الوزراء ليسوا من الصين"، بل هم مواطنون.
لا نريد استباق الأحداث والحديث باستنتاجات، فالمنطق والقانون والدستور والأعراف والظروف، كلها تؤيد منح الحكومة والنواب وسائر السلطات فرصتها، وعلينا أن نتذكر بأن ظروفنا أعقد مما تبدو عليه، ولا أريد أن أكون تشاؤميا في نظرتي، لكننا وبكل تأكيد لم نقم بعد بحل مشكلة واحدة، مع احترامي لكل ما يقال عن المواقف العربية الخليجية الأخوية التي سمعنا عنها مؤخرا، فنحن لدينا مشاكل اقتصادية خانقة ويجب أن لا ننسى كلام وزير المالية المستقيل حول الرواتب (يعني افرضوا جدلا انه ما فيه رواتب بعد شهرين!).
الإنطباع الأول عن الحكومة لم يكن تسويق الرزاز واعتباره خارقا للعادة، بل هو المتعلق بالتشكيلة، وهو بكل أسف انطباع سيء الى حد ما، لكننا يجب أن نتجاوزه ونفكر بمسؤولية أكبر، ونقدم اقتراحات منطقية للخروج من الجدل الى العمل، ولنقلها مرة أخرى عن "هالجمل فهو "ياما كسّر بطيخ"، ولنضع برنامجا زمنيا لاختبار أداء الحكومة ومنحها طريقا أوسع للتصرف دون ضغوطات، وليس حصرها في زاوية الدفاع عن التشكيلة الوزارية او الانهماك في تعاقدات تسويقها، حيث أشار جلالة الملك بأن الضعف بالنسبة للحكومة السابقة يكمن بالتواصل مع الناس، وقلنا في غير مناسبة بأنها إشارة على ضعف اعلام الحكومة، وهو أمر نتمنى أن يتغير بشكل ملموس في هذه الحكومة، أما التواصل الآخر فهو متعلق بالوزراء أنفسهم ومن خلال وزاراتهم ومسؤولياتها، وطبيعة التشكيلة الحكومية بوزرائها الجدد تفتقد لمثل هذا النوع من التواصل المطلوب، لأن "القبول" بالنسبة لمواطنينا مبني على مفاهيم اجتماعية لم تراعها الطريقة التي تم على أساسها اختيار الوزراء، مع العلم أن الأمر كان يجري على هذا الشكل "نسبيا" في كل الحكومات تقريبا، لكن توقفنا عنده بالنسبة لحكومة الرزاز لأن الملاحظات الملكية وملاحظات الناس ومطالبهم واضحة جدا.
المنطق يتطلب منح الحكومة فرصة 100 يوم، تخضع بعدها للتقييم، ويمكن لرئيسها عندئذ التخلص من الحمولة غير الإيجابية، وهذا حقه وحق أي فريق جاء لتنفيذ مهمة، يجب منحه فرصة ومراقبته، علما أن لدينا أدوات وتعهدات وتوجيهات ملكية نعرفها لأول مرة، وهي "ترويح الوزير اللي بخبص بنفس اليوم"، ودون النظر الى الثقافة الفاسدة التي تنطلق من بيننا حماية لضعيف الأداء وللمخفق أو المسيء، وهنا يجب أن تمهد الحكومة لمثل هذه الاجراءات الجديدة بالتعامل مع الوزراء، بأن تعيد النظر برواتبهم التقاعدية في حال غادروا الحكومات نتيجة تعديلات حكومية أو غيرها..
كلنا نعلم بأن الحراك الشعبي المشروع ضد سياسات الحكومة اكتسب أهمية وشرعية أكبر، وأثمر كثيرا، لكن في هذا السياق ثمة خسائر فادحة لم نتطرق إليها، لكنني أختصرها بصيغتين لسؤال واحد:
كيف تتوقعون شكل الرفض الشعبي في المرة القادمة؟ .. أي: هل سيلتزم بالخطاب الذي عرفناه أم ستيغير ويصل الى حواف حرجة لا نريدها جميعا ما دمنا نتفهم ظروف بلدنا؟.
كل عام والوطن وأهله وجنوده الأوفياء بكل الخير..مع تأكيدي بأنني لا أتواصل مع مسؤول واحد في هذه الأيام.
**ملاحظة من باب على فكرة :
(100 يوم بالتمام والكمال مرت على آخر تعديل على حكومة الملقي المستقيلة..إضافة الى 10 أيام بعد الاستقالة).
ibqaisi@gmail.com
الدستور