المبالغة من وجهة نظري في أيّ شيء أو فعلٍ أو قولٍ هي علامة من علامات العجز والتخلف وسوء الإدارة والتخطيط حتّى في الأمور الإيجابية والمفيدة، ولا يقلّ ضررها عن ضرر التقصير في الأمور الإيجابية، حتّى الطاعات والعبادات فإنّ
الإسلام نهى عن المبالغة فيها إذا كانت على حساب واجبات أخرى على المرء العابد القيام بها. والأمثلة على ذلك لا تحصى، فالأكل ضروري للصحة ومفيد ولكنّ المبالغة فيه والإفراط في تناوله يلحق أضراراً بالغة في صحة الإنسان،
وكذلك النوم إذا بالغ فيه المرء أدّى إلى الخمول والكسل وجعل الجسد عرضة للأمراض الفتاكة، وكذا يقال عن النظافة الزائدة في المنزل أو في الجسد فإنّ الإفراط فيها يتحوّل إلى وسواس يفسد على الشخص حياته وأكله وشربه ولبسه وعلاقاته مع الآخرين.
وهذا ما يقال أيضاً عن تناول أنواع من الثمار أو الأعشاب أو النباتات المختلفة لفوائدها الصحيّة، حسبما يتناقله الناس وتروّج له كثير من النشرات الطبيّة والتجارب، فإنّ كثرة تناول عشبة بعينها أو نوعٍ من الخضار والثمار، حتّى وإن ثبتت صحّة فائدته، فإنّ لذلك أضراراً جانبية ومضاعفات سلبية لا يدركها الشخص إلاّ متأخّراً.
وما يقال عن الممارسات اليومية الاعتيادية من طعام وشراب ولباس ودواء ورياضة يقال أيضاً عن مواقف الناس وأقوالهم واعتقاداتهم ونشاطهم الاجتماعي، فإنّ الإفراط في أيّ شيء من ذلك قد يؤدّي إلى نتائج عكسيّة ويؤدي أحياناً إلى فقدان الشيء معناه وقيمته.
وفي الحديث النبوي الشريف «أحببْ حبيبك هَوْنا ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما».
وفي المثل العربي المشهور «زُرْ غبّاً تزدَدْ حُبّاً». إنّ في مجتمعنا من القيم والعادات والتقاليد والمبادئ ما يميّزنا عن غيرنا من الأمم وما يمنحنا طابعاً إنسانيّاً يتمناه غيرنا من الشعوب، لكنّ المبالغة في أيّ سلوك أو ممارسة سواءً أكان تحية صباحية أم مسائية أم أدعية تخصّ كلّ يوم من أيّام الأسبوع وكل مناسبة من المناسبات أم غير ذلك قد تفقد هذه الأشياء الجميلة قيمتها وأثرها في نفس المتلقّي إذا زادت عن حدها المعقول.
كما أنّ المبالغة في المجاملة قد تصل إلى حد تصبح فيه ذميمة ممقوتة، وأنّ امتداح صفة معينة أو إنجاز معين أو أي شيء ما إلى حدّ التقديس قد يصبح أمراً ممجوجاً ومنفراً إذا زاد عن حدود المعقول والمقبول.
إنّ المبالغة في الثناء على الأشخاص أو الإنجازات قد تضلّل الناس فلا يعودون يعرفون حقيقة الشيء أو الشخص أو الإنجاز نتيجة إغداق صفات التفرّد والتميّز عليه، بينما هو لا يعدو في الحقيقة أن يكون إنجازاً عاديّاً نتطلع إلى إنجاز ما هو أفضل منه.
إنّ المبالغة هي صورةٌ من صور التطرّف والمغالاة والابتعاد عن جوهر الحقيقة، ولا يكون التغلّب عليها إلاّ بالاعتدال والإنصاف والتزام الحقيقة والحق.
الرأي