هل ستحمل حكومة بهذه النسبة المتواضعة من التغيير مشروع " العقد الاجتماعي الجديد " ؟! لعل التشكيلة خضعت لمخاض عسير من تدافع الاعتبارات وزوايا التأثير التي حجّمت جرعة التجديد "من خارج العلبة " وقد يكون الاعتبار الأهم توفير دروع حماية للرئيس من ردود الفعل الشرسة المتوقعة من القوى القديمة. لكن هل سيتفهم شباب الرابع والمحافظات أن التشكيلة التي خضعت لتوازنات وأعتبارات تكتيكية وعملية شتّى ملتزمة بالمشروع الأساس الذي يمثله اختيار الرزاز وكتاب التكليف الذي تلاقى مع مع طموحات الشباب واحتجاجاتهم ضد النهج القائم ؟! احتجاجات عادت الى البيوت ولسان حالها يقول ... ان عدتم عدنا !!
مسأترك الجدل حول التركيبة وأذهب الى المشروع الذي يفترض ان تحمله الحكومة مشروع العقد الاجتماعي الجديد. الرئيس الذي أعرفه وأفهمه يعي جيدا معنى المشروع وأي كان موقف اعضاء الحكومة وبعضهم غير ذي صلة بأي فكرة أو مشروع سياسي، فالمفروض أن الجميع سينضبط الى نهج جديد في الآداء ما دامت الارادة السياسية العليا موجودة ويمكن غدا وحسب حديث الملك نفسه ترويح كل من يعجزعن مواكبة المرحلة ولا يتمثل قيم الحاكمية الرشيدة والكفاءة والفعالية والشفافية. ومن باب التفاؤل الذي لا نستطيع العيش دونه دعونا نفكر ان الدولة عموما ستطرح على المجتمع مشروع التحول بلا رجعة عن النهج القديم أو حسب تعبير الرزاز التحول من قيم الدولة الريعية الى قيم الدولة الانتاجة الحديثة وهو من المفاهيم الاساسية ل " العقد الاجتماعي الجديد " .
العقد الاجتماعي الجديد ليس صيغة مشابهة ل " الميثاق الوطني " الذي اسس بعد احتجاجات نيسان 89 للتحول الديمقراطي في الأردن. تلك الوثيقة التي قيل انها ترجمة تفصيلية للدستور كان تهدف الى توضيح معنى الديمقراطية والنهج الذي يتلزم الجميع تحت سقف الدستور والتزاما به بعد الغاء الأحكام العرفية. تلك مرحلة تجاوزناها. وثبت ان الدولة قادرة على الاستمرار بدون احكام عرفية عبر كل المنعطفات وقد ترسخ النظام السياسي القائم على الدستور وحكم القانون. ومشكلتنا اليوم من نوع آخر وعلى خلفية اقتصادية اجتماعية اذ ان عمليات التحديث الاقتصادي والخصخصة لم تنجح في انتاج نمط اقتصادي اجتماعي ( ومعه بالضرورة سياسي ) حديث يتخطى نمط الدولة الريعية الذي استمر وتكيف مع كل التغييرات وانتهى الى انتاج صيغة هجينة تحمل ثقافة واساليب الدولة والاقتصاد الريعي مع اساليب ومفاهيم الاقتصاد الرأسمالي الحديث.
الرزاز الذي ألمح في احاديثه خلال فترة التكليف الى مشروع التحول من مفهوم الدولة الريعية الى الدولة الانتاجية هو أصلا صاحب بحث نال عليه جائزة دولية وعنوانه " الطريق الصعب نحو عقد اجتماعي عربي جديد: من دولة الريع إلى دولة الانتاج" لكن قد تكون هذه المصطلحات غامضة للعموم بل انني اتحفظ بدرجة ما على دقة اطلاق هذا المفهوم " الدولة الريعية " على أردن اليوم وهو كان اقرب الى هذا المفهوم في حقبة سيطرة الدولة الطاغية على المجتمع وعلى الاقتصاد هذا مع ان المصطلح ابتداء هو موضوع تباين بين المفكرين الاقتصاديين ولكل منهم اجتهاد حوله. وقبل مفهوم الدولة الريعية ولد مصطلح الاقتصاد الريعي للدلالة على ذلك النوع من النشاط الاقتصادي الذي لا يقوم على العوائد من الانتاج بل من الملكية والاجازة والايجارة والتسهيلات والتجارة .. الخ.
على كل حال يمكن ان تذهب مع الوقت بلا ترجمة محددة في البرامج والممارسات لهذا الهدف وهذا يدفعني لتخصيص مقالات لاحقة لهذا الشأن وماذا يعني في واقعنا الاردني العقد الاجتماعي الجديد المنشود.