ماذا يفعل مقتدى الصدر في اسطنبول ؟ الراجح أنه لا يريد حركة تعيده إلى مكانه تحت الضوء بعد أن خفت نجمه أمام سطوع نجم المالكي . فقد طلب بحسب مصادر مطلعة في الخارجية التركية أن تكون الزيارة سرية وهو ما رفضه الأتراك . إذن ، الزيارة جادة وثمة لدى الزعيم الشاب الذي لا يزال يحتفظ بدوره وحضوره في الوسط الشيعي وإن أثخنته الجراح ما يقوله .
مهما قيل بالصدر من رعونة وتهور وتخبط .وطائفية إلا أن من الأنصاف القول أنه " مستقل " يعمل وفق حساباته مهما كانت خاطئة ولا يتلقى تعليمات مهما كانت ذكية ، فمع أنه يعتبر الأقرب لحزب الله إلا أن هذا لم يمنع السيد حسن نصرالله من القول " أتعبنا مقتدى "! . وهو تحالف مع هيئة علماء المسلمين وشكرها علانية في حصاره الأول وفي المقابل ظلت ميلشيا جيش المهدي المتهم الأول في حصد " الجثث مجهولة الهوية " أي السنة في موجة الاقتتال الطائفي التي أعقبت تفجير المرقدين في سامراء .
تعب الجميع الأميركيون والإيرانيون السنة والشيعة العرب والكرد. ومقتدى يصل اسطنبول منهكا ، فقد أدماه المالكي في " صولة الفرسان " التي دمرت معاقله في البصرة ، والمجلس الأعلى من قبل لم يوفره والأميركيون له بالمرصاد والقاعدة لا تنقطع مفخخاتها عن مدينة الصدر.وهو على عمق الصلة بينه وبين الإيرانيين إلا أنهم قد يبيعوه في أقرب صفقة مع الأميركيين.
ربما يريد توسيع دائرة حلفائه .هل يمكن إيصال رسالة للأيرانيين أنه مستعد للتحالف مع " العثمانيين الجدد". وهي رسالة بقدر ما تقلق إيران تطمئن السنة . فالصراع التاريخي الصفوي العثماني يمكن اختراقه من خلال برنامج سياسي وطني عراقي بأفق إسلامي يتجاوز الطائفية والمذهبية .
ومن يعجز عن برنامج وطني في حدود القطر هل ينجح في برنامج على مستوى الأمة ؟ لم لا . ومن الممكن أن يكون مقتدى الزعيم الشاب قد تعلم دروسا في غيابة العنف الطائفي . وهو إن فقد ثقة السنة العراقيين قد يجد وسيطا تركيا بينه وبينهم. وهي وساطة تظل أقل صعوبة من تلك التي يقوم بها الأتراك بين السوريين والإسرائيليين .
في المختبر الطائفي لا تخضع المعادلات لمنطق . استطرادا لنذهب إلى لبنان ؛فسورية ظلت العدو الأول للتيار العوني . وعندما كان وليد جنبلاط قد أعفى السوريين من دم والده وأقر بالعلاقات " المميزة " معهم مشيدا علانية بمثلث المقاومة " بيروت –طهران –دمشق ) كان الجنرال عون طريدا في باريس بعد أن حاصرته الدبابات السورية وسجلت شبيبته الريادة في التصدى للوجود السوري علانية وكان هتافهم قبل 14 آذار " هيه ويالله سورية اطلعي بره ". اليوم يقف الجنرال عون خامسا للجنرالات سورية الأربعة الذين أطلق سراحهم .
في المعادلات الطائفية اللامنطقية يمكن القول أن مقتدى مستعد لاستبدال تحالفه مع إيران بتركيا ، أو الجمع بين التحالفين . والأتراك بحاجة له كما هو بحاجة لهم ،فقبل وصوله بأيام انفجر لغم كردي أودى بحياة تسعة جنود أتراك . والتركمان في كركوك متحالفون مع العرب الصدريين في مواجهة الطغيان الكردي على المدينة .
ربما تنتهي بلا شيء حتى الاهتمام الإعلامي . وقد يكون لها نتائج استراتيجية . والمؤكد حتى الآن أن تركيا كرست نفسها قوة إقليمية ذات صدقية تثق فيها الأطراف المتصارعة . وهذا سيعزز قناعة أوباما بالاعتماد على مساعدة الأتراك في التعامل مع معضلات المنطقة .
abuhilala@yahoo.com