المفاوضات من أجل المفاوضات أو مفاوضات طحن الهواء وخض الماء
راسم عبيدات / القدس
29-04-2007 03:00 AM
.......يبدو أنه عندنا في الساحتين الفلسطينية والعربية ، من أدمن قضية التفاوض من أجل
التفاوض ، ويرى أنه بمجرد قبول إسرائيل التفاوض أو الجلوس معه ، هو خطوة نوعيه وتوازي
تحرير الأندلس، والذي يدفعني إلى هذا القول ، أنه رغم معرفتنا للعقلية والذهنية
الإسرائيليتين ، إلا أننا نصر على أن نبيع الجماهير والشعوب الأوهام والسراب والوعود
البراقة والشعارات الرنانة ، فرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق " إسحق شامير " ، كان
يخطط أن يفاوض العرب عشرات السنين دون أن يعطيهم شيئا ً، وأحد أبرز أقطاب السياسة
الإسرائيلية والحائز على ما يسمى جائزة " نوبل للسلام " شمعون بيرس " ، قال ما المانع
أن نفاوض الفلسطينين عشرين عاما ولا نعطيهم شيئا ، وهناك الكثير من أقطاب اليمين
الإسرائيلي ، يريدون من المفاوضات مع العرب ، أن تصل إلى حد أن يسلم العرب ، بالمطالب
الإسرائيلية ، أي منحهم وإعطائهم الأراضي المحتلة ، مقابل منحنا الأمن والسلام ، هذه
الرؤيا والمنطق ، هما اللذان يحكمان قناعات وتصورات القيادات الإسرائيلية المتعاقبة ،
فشارون على سبيل المثال لا الحصر ، عندما طرحت خارطة الطريق ، كأحد الحلول الأمريكية
للقضية الفلسطينية ، ورغم أنها لا تستجيب للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية ، إلا أنه
وضع عليها أربعة عشر تحفظا ، وذلك لكي ينقل التفاوض حول إشتراطاته ، قبل التفاوض حول
المقترح أو الوثيقة نفسها ، واليوم " أولمرت " ، وبرعاية أمريكية عقد ويعقد سلسلة من
اللقاءات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، حصيلتها حتى الآن صفر بإمتياز ، وهي لا
تعالج أية مسائل جوهرية وإستراتيجية ، مثل الإستيطان وإنهاء الإحتلال ، وإزالة الجدار
، واللاجئين ، ووقف تهويد القدس وأسرلتها ، بل تعالج أمور حياتيه من طراز تمديد فتح
عمل المعابر ، وإزالة حاجز هنا أو هناك ، أو إزالة " كومة " من التراب عن هذا المدخل
أو ذاك ، وحتى هذه الأشياء البسيطة ، سرعان ما يتم التراجع والتخلي عنها ، تحت حجج
وذرائع الظروف السياسية والأمنية ، والزعامة الإسرائيلية التي " أقرفتنا " وأشبعتنا
طحن هواء وخض ماء عن التنازلات المؤلمة والمفاوضات الجادة في سبيل السلام والعملية
السلمية ، فهي عند إزالة أحد " الكرفانات " الفارغة ، أو إحدى النقاط الإستيطانية
العشوائية ، يقيم المستوطنين الدنيا ولا يقعدونها ، وحسب سياسة الباب الدوار
الإسرائيلية يعدون إليها ، ولعل الجميع يذكر أنه في أحد القمم في شرم الشيخ ، والتي
طرح فيها رفع الحواجز والإنسحابات من المدن الفلسطينية ، ما أن إنتهت القمة ، وعلى
أساس أن يشرع في تنفيذ ما أتفق عليه ، كيف حول الإسرائيلين القضية إلى جدل ونقاش
وتفاوض على حاجز العوجا ، ولتنتهي الأمور ، إلى عدم تطبيق أي من بنود ما جرى الإتفاق
عليه في القمة ، وفى إحدى القمم أيضا، وكبادرة حسن نية ، وما أكثر " حسن النوايا "
الإسرائيلية ، والتي يلمس إثارها شعبنا على جلده وأرضه ، قتلا ً وإعتقالا ً ، ومصادرةً
وهدما ً ، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي إطلاق سراح عشرين أسيرا ً فلسطينياً ، ممن تبقى
لهم مدة قصيرة وأحكامهم خفيفة ، وبعد دراسة مستفيضة من " الشاباك " ، والهيئات
والدوائر الأمنية لملفاتهم ، ولكن حتى هؤلاء لم يتم الإلتزام بإطلاق سراحهم ،
والمفاوضات الجادة والتنازلات المؤلمة التي يتحدث عنها ، القادة الإسرائيلين ، هي التي
تمنحهم الأرض والأمن والسلام والتطبيع ، وأن يأتي العرب برؤيا واقعية وعقلانية ، بمعنى
أن ياتي العرب والفلسطينين ، ويقولوا أن الإحتلال " نعمه ، وأن يتخلوا عن مرتكزات
القضية الفلسطينية ، اللاجئين ، القدس ، والقبول ببقاء المستوطنات وضمها الى إسرائيل ،
والتخلي عن المياه ، وحتى المناطق التي يتم الإتفاق على الإنسحاب منها على ، سبيل
المثال ، يقوم المجتمع الدولي بتعويض إسرائيل عنها ، أو تقوم إسرائيل بإسئجارها ،
وبإختصار قصتنا مع المفاوضات طويلة ، والتي يرى البعض فلسطينياً وعربياً أنها الخيار
الوحيد الذي يملكه العرب ، وإذا ما تحدثت عن المقاومه كخيار أو إستراتيجية ، فأنت غير
واقعي ، أو كما يقول المأثور الشعبي " في رأسك ميه عتيقه" أو أنت حالم أو تعيش في زمن
آخر ، والجميع يذكر عندما طلب النبي موسى عليه السلام من اليهود أن يذبحوا بقرة ،
وذلك تكفيراً عن الإنتهاكات والإعتداءات التي حصلت في يوم السبت ، فقالوا له يا موسى
إسأل لنا ربك عن شكل البقرة ، ومن ثم لونها ، ومن ثم ما هيتها ، ومن ثم نوعها ... الخ
، باختصار كانوا يريدون تعجيز موسى عليه السلام ، وأخيرا كلم الله موسى وقال له ، قل
لهم صفراء فاقع لونها ، إذا كانت هذه العقلية والذهنية الإسرائيلية منذ القدم ، والتي
يعبر عنها قادتها حاليا بشكل واضح ، فأنا أجد من الغرابة أن يبني البعض فلسطينياً
وعربياً ، إستراتيجيته على هذا الأساس ، وأن يستمر في طحن الهواء ، أو خض الماء ،
وكأن الماء سيخرج زبداً ، فكم لقاءاً عقد الرئيس محمود عباس مع " أولمرت " وماذا كانت
حصيلتها ونتيجتها ؟ ، وهل جرى أي تقدم على صعيد القضايا الجوهرية للشعب الفلسطيني ؟ ،
أم أن الأمور تراوح مكانها !، بل وتزيد من حالة الإحباط واليأس في الساحة الفلسطينية
، هذه اللقاءات التي ينظر لها على أنها تشكل غطاءاً للسياسات والممارسات الإسرائيلية
، ففي الوقت الذي يجتمعون فيه مع الرئيس عباس ، يواصلون عمليات الإغتيالات والإقتحامات
في الساحة الفلسطينية ، وكأنه مطلوب من الشعب الفلسطيني المحتل ، أن يسكت ولا يدافع عن
نفسه وعن حقوقه ، والجميع منا يذكر المقولات الإسرائيلية بأنه لا مواعيد مقدسه ، وأن
من الصعب تنفيذ أو الإستجابة للمطالب العربية والفلسطينية ، لأن اليمين الإسرائيلي قد
يسقط الحكومة ، والحكومة غير قادره في هذه المرحلة على القيام بخطوات إستراتيجية ،
والحكومه مهدده بالسقوط ، والحكومه قد تضطر للذهاب إلى إنتخابات مبكرة ، وهكذا دواليك
، والعرب والفلسطينيون ، تحت رحمة الحكومة والأحزاب الإسرائيلية ، وينتظرون ويبنون
إستراتيجاتهم ويرهننون قضاياهم وحقوقهم على المجتمع الإسرائيلي وحكوماته المتعاقبه ،
والتي جميعها من أقصى ما يسمى باليسار ، إلى " ليبرمان " و" آفي إيتام " أقصى اليمين ،
لديه خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها أو التنازل عنها ، لا لعودة اللاجئين ، لا لوقف
الإستيطان ، ولا لعودة القدس ، ولا لإزالة الجدار ، وألف لا ولا ، ونحن عربيا
وفلسطينياً ، وحتى لا نتهم ب" الإرهاب " ومعاداة السلام قلنا في القمة العربية الأخيرة
، نعم للمفاوضات ، ونعم للسلام ، ونعم للإعتراف ، ونعم للتطبيع بعد السلام ، وأصبحنا
غير قادرين على قول كلمة لا واحده ، ومن يقول هذا الخيار غير مجدي ولن يوصلنا إلى
حقوقنا ، أصبح كم يشتم الذات الآلهية ، أو أكثر ، فهذا الإنسان يحلم أحلام وردية
وشيطانية ، ولا بد أن يتكيف ويستجيب للمتغيرات الدولية ، والمسألة يا عرب وفلسطيني
المفاوضات ، أننا لسنا ضد هذا الخيار ، ولكن أن نبني إستراتيجيتنا ونرهن حقوقنا لهذا
الخيار ، فهو قطعا لن يوصلنا إلى حقوقنا ، والعالم لا يحترم الضعيف ، والحق بحاجة إلى
قوة ورافع تسانده ، ولدينا من إمكانيات القوة الكثير الكثير ، ولكن المشكلة في عدم
إمتلاك الإرادة ، فهل نصحو ، ونوقف مسلسل المفاوضات من أجل المفاوضات ، ومفاوضات طحن
الهواء وخض الماء؟ أم نستمر في هذا المسلسل الهزلي ونزداد ذلاً وتهميشاً وإحتقاراً من
كل الشعوب والأمم ؟ .
البريد الالكتروني
rasim@shepherdsfieldymca.org