ماذا نتوقع من حكومة الدكتور عمر الرزاز؟
د. طلال ابو غزالة
15-06-2018 02:01 AM
إن قرار جلالة الملك عبداالله الثاني الحكيم اختيار الدكتور عمر الرزاز لرئاسة الحكومة، بعد الاحتجاجات التي شهدها الشارع الأردني على السياسات الاقتصادية للحكومة السابقة، قوبل بارتياح عام أدى لنزع فتيل الأزمة. وقد كنت من أول
المبادرين للترحيب باختيار شخصية خبيرة، عصرية التفكير، واضحة الرؤية، معروفة بنزاهتها وتجّردها عن أية مطامع شخصية، ولديها من الطاقات والإمكانات ما يبعث على الأمل بالاستجابة لما عبّر عنه أبناء وبنات الوطن من ضرورة تغْيير
النهج، والتوجه لبناء مجتمع منتج، وطي صفحة الريعيه، والاعتماد على الذات، كما يحثنا على ذلك باستمرار سيد البلاد جلالة الملك المفدى، حفظه االله.
ومساهمة مني لتحقيق تلك الغاية، دعوت لمؤتمر صحفي في السادس من الشهر الحالي (مسجل على موقعنا www.tagorg.com ،(ووزعت خلاله ورقة بعنوان «قراءه في كتاب التكليف السامي» دعوت فيها لاعتماد منهجية الحوار الوطني المنظم والشامل وصولا إلى سياسات كفيلة ببناء قاعدة اقتصادية متينة، تمكن الأردن من الاعتماد الفعلي على الذات، ومن تصويب مواقع الخلل في المسيرة الاقتصادية، وضمان نسب نمو مستدامة تؤدي إلى تقليص الدين العام، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتخلص من الترهل وسوء الإدارة والفساد والمحسوبية، وغير ذلك من الآفات التي تعاني منها الإدارات المتلاحقة.
وحددت خلال المؤتمر، كمثال، عشرة محاور مستمدة بمجملها من كتاب التكليف السامي تشمل: التعجيل في تجسيد واقع الحكومة الإلكترونية، واستثمار مصادر الطاقة البديلة (خصوصا الشمسية)، ومعالجة أزمة المرور والنقل العام، والتوجه نحو التعلم الرقمي، ومعالجة الغلاء ومسبباته، وتعزيز قطاع الصحة، وترسيخ الإصلاح الإداري، وتوسيع مظلة التكافل الاجتماعي، وإنجاز الإصلاح الضريبي، وخلق مناخات انتاجية تعالج البطالة وتخلق فرص العمل وتسهم في الحد من الفقر.
أما الآن، وقد أعلن دولة الدكتور الرزاز عن فريقه الوزاري الذي سيتولى تنفيذ المهمة الكبيرة والشاقة، وفق توجيهات صاحب الجلالة الحكيمة والصائبة، ولأن من واجبنا بذل كل ما نستطيع كمواطنين وكمسؤولين لدعم هذه الحكومة، فلا بد لنا من المشاركة في الحوار الدائر من أجل الاستقرار على برنامج عمل منهجي ناجح وقادر على إخراج اقتصاد البلد من أزمته.
ومن حسن الطالع، أن تشكيل الحكومة الجديدة يأتي بعد الدعم الخليجي الذي أعلن عنه مؤخرا للمملكة، والذي شكل مساندة حقيقية أصيلة من الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر ليسهم في دعم الوضع المالي للأردن، وليقوي موقفه لدى المنظمات الدولية، إلا أن الحل الدائم لواقعنا الاقتصادي الصعب لا يتأتى إلا، كما أكد جلالة الملك عبداالله الثاني، من خلال اعتمادنا على ذاتنا، ووضع خطة قابلة للتحقيق وفق محطات زمنية واضحة وصولا إلى ذلك وعند الحديث عن الاعتماد على الذات، لا بد أن نقر بداية أن المشكلة لم تكن محصورة في مشروع تعديل قانون ضريبة الدخل، ولا مقتصرة على ضرورة مراجعة القانون بشكل جذري، وإنما بالتعمق في دراسة فلسفة الضريبة وسياساتها وإجراءاتها لتحقق أهداف العدالة الكاملة بين المواطنين، وليقضى على آفة التهرب الضريبي والتحايل على القانون، وأن يترسخ مع هذا كله ثقافة إيجابية تنظر للضريبة على أنها استحقاق يقع على الجميع واجب الالتزام به أسوة بالدول المتقدمة، ما يجعل من التهرب والتحايل مصدر عار على من يقوم بذلك، بدلا من التفاخر.
وبالمقابل، لا بد أن تكون الخدمات التي يتوجب على الدولة تقديمها للمواطنين، كما وصفها جلالة الملك، متناسبة مع ما يتم تحصيله منهم. أما وجود ضرائب بلا خدمات، أو خدمات دون المستوى الكافي، فأمر لا يصح الانتظار طويلا قبل معالجته جذريا.
وأود هنا أن أقترح منهجية للحوار قوامها ما يلي:
1 .أن تبدأ الحكومة فوراً بإجراءات الحوار الوطني الشامل، بالتوازي وبنفس الأهمية مع أداء المهام المناطة بكل وزارة في خدمة المواطنين.
2 .أن يكون الحوار متعدد الأطراف وشاملا للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، بالإضافة للهيئات الإعلامية والاتحادات والنقابات والتنظيمات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني والهيئات الأكاديمية، وذلك على شكل طاولة مستديرة، وليس من خلال الحوار الثنائي، أو الإعلامي فقط.
3 .أن يكلف بإدارة طاولات الحوار فريق عمل متخصص متعدد الأطراف حسب كل قضية يرأسه الوزير المختص بالموضوع المطلوب مناقشته، وذلك بروح الشراكة فعليا، كما يأمر دوما جلالة الملك، وصولا إلى توصيات توافقية.
وأرى أن تكون أهداف طاولات الحوار جميعها على النحو التالي أيضا:
1 .زيادة النمو في الناتج القومي من خلال زيادة أربحية القطاع الانتاجي، وبالتالي زيادة الوعاء الضريبي، وزيادة المحصل من الضرائب بصرف النظر عن أي زيادة في الضرائب.
2 .تحقيق التنمية المستدامة، وخلق فرص عمل في القطاع الخاص، وزيادة دخول الأفراد.
3 .تطبيق الشراكة الحقيقية بين السلطة التنفيذية والمجتمع الاقتصادي والمدني، وليس إدارة هذه الشراكة من قبل السلطة التنفيذية فقط.
4 .تحقيق العدالة الاجتماعية تطبيقا وليس تعبيرا عن الرغبة فقط.
5 .إصدار ميثاق النزاهة بقانون، بحيث يصبح تطبيق ما فيه إلزاميا ونظاما قانونيا لمنع الفساد ولمعاقبة مرتكبيه.
6 .إطلاق مشروع وطني للتحول إلى مجتمع معرفي يصنع المعرفة ويحولها إلى ثروة، بما يحقق الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن المساعدات والقروض.
وليس لدي أدنى شك في أن حكومة الدكتور الرزاز على دراية كاملة بأن علينا بناء برنامج اقتصادي متكامل كقاعدة اقتصادية متينة قادرةعلى تجنيد كل طاقات المجتمع بجميع فئاته، وكل إمكانات ومقدرات الوطن.
قاعدة تضمن انتاجا يغني عن الاستدانة والمعونات الخارجية ليكون اكتفاؤنا الذاتي أساساً لاستقلال قرارنا والحفاظ على كرامتنا الوطنية، التي تمكنا من صونها في أصعب الظروف. ويتأتى ذلك كله من خلال إطلاق مشروع وطني شامل موازي لمشاريع الحكومة يعمل على تحويل المجتمع بكامل جوانبه إلى مجتمع معرفي: يصنع المعرفة ويبيعها.
والسؤال: هل لدينا القدرة؟ نعم بكل تأكيد. لدينا القدرة والإمكانات، ولا ينقصنا إلا القرار والإرادة الجمعية والإدارة الحكيمة النظيفة العصرية المعرفية.
ونحن، أبناء وبنات الوطن، لنا دورنا الفارق في تحقيق النتائج المرجوة من خلال الإسهام الإيجابي، وإدراك أن سقف التوقعات يجب أن يكون معقولا ومرحليا، وأن نتحلى بالصبر والثقة بالمستقبل، لأن النجاح شروطه الأمل والعمل معا.
واختتم بتهنئة الدكتور الرزاز، متمنيا له ولفريقه كل التوفيق والنجاح.
الرأي