"الوزير" مثنى غرايبة: اكتشف «أردنيّته» في الدوّار
14-06-2018 12:38 PM
عمون - في تظاهرات «جمعة إسقاط نهج وادي عربة»، غاب الناشط السياسيّ مثنّى غرايبة عن مركز انطلاق التظاهرة من الجامع الحسيني وسطَ البلد في عمّان. بدلاً من ذلك، اختار أن يخرج من أمام الجامع الهاشمي في مدينة إربد مسقط رأسه (شمال العاصمة)، مستعيداً أخر مرة تظاهر فيها هناك عام 2002 أثناء الانتفاضة الثانية. في ذلك الوقت، كان التظاهر تحدّياً حقيقياً، وكان على مثنى ورفاقه الهتاف والهرب خوفاً من الضرب أو الاعتقال. وفي مقابل القضايا العربية، لم يكن الوضع الداخلي مطروحاً من أيّ جهة. أما اليوم، فالضغط الشعبي الذي بدأ العام الماضي، أعاد إلى الأردنيين حق التظاهر. كان غرايبة يعتقد أنّ الأردن كما درسَ في المناهج الرسميّة «دولة نتجت من تقسيم سايكس بيكو، وظيفتها فصل الاحتلال الإسرائيلي عن الدول المحيطة». لهذا، «كان الشعور العام أن واجبنا دعم القضايا العربيّة، وبنحو أساسي القضيّة الفلسطينيّة» يقول لـ«الأخبار».
منذ طفولته، اكتشف مثنى غرايبة هواه الفلسطيني. والده المولود في ريف إربد، عسكريّ متقاعد حارب في فلسطين، ووالدته معلّمة ولدت في بلدة عرابة قرب مدينة جنين. لطالما حكى له والده عن رائحة الليمون التي كانت عابقة في أريحا لدى انسحاب الجيش الأردني من الضفة الغربيّة سنة 1967. كان الأب يصطحب ابنه إلى مغارة أم قيس (أقصى الشمال الغربي)، وهناك يروح يحدّثه أنه قصف الجيش الإسرائيلي في طبريا عام 1968 أثناء حرب الاستنزاف. لا يزال والده مفتخراً بأنه قطع الكهرباء عن العدوّ، حتى إنّه لطالما يردّد: «قطعتُ الكهرباء عن إسرائيل قبل أن يفعل ذلك حسن نصر الله». وجد مثنى نفسه مختزَلاً في القضايا العربيّة. يتذكّر صور أبواب المحالّ الخضراء المقفلة أثناء إضرابات الانتفاضة الأولى عام 1987. ويتذكر المصروف اليوميّ الذي كان ينقطع عن معظم أبناء جيله من أجل شراء حليب وأغذية تُرسل إلى العراق أثناء حرب الخليج الثانية. بعد انتهاء الحرب بتسعة أعوام، انتقل إلى العراق في إطار رحلة لـ«مخيّم الشباب القومي العربي». وهناك سيُعتقل في وقت لاحق. وفي 2001، انضمّ إلى مخيم «أجيال» في بيروت، حيث تعرّف إلى الممثلة أناهيد فيّاض التي كانت تدرس في «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق، وهي ابنة الكاتب والسياسي الفلسطيني علي فياض، أو «أبو زياد فيتنام» الذي كان سفير منظمة التحرير في فيتنام. جمعت غرايبة وفياض علاقة حب توّجت بزواجهما بعد 5 أعوام. كان غرايبة قد أمضى 3 أشهر في مصر، بعد انقضاء مخيّم «أجيال» تدرّب خلالها في مصنع اتصالات في حلوان، في إطار دراسته هندسة الاتصالات. تعرّف هناك إلى شباب ناشطين مثل خالد عبد الحميد، ومحمد خير، وهاني درويش.
كانت تجربة مصر فارقة في حياة مثنّى على المستوى الإنساني. أبهره كيف يمكن أن يتعرّف إلى شخص في المقهى ويصبح صديقه في خمس دقائق فقط، متلقياً كمّاً هائلاً من المحبّة من دون مقدّمات. بعث رسالة إلى والده كتب فيها: «دفء الجو في مصر كاذب مثل الأصدقاء في الأردن. إذا خرجت من دون جاكيت، يمكن أن يلفحك الهواء، مثل لفحة القلب عندما تكتشف أن صديقك ليس دافئاً كما يجب. بينما في مصر الدفء هو دفء الناس». بعد تخرجه، قضى مثنى عامين في سلطنة عمان، وعامين في سوريا قبل أن يعود إلى الأردن في 2008، ويبدأ بتأسيس «التيار القومي التقدمي» مع عدد من الناشطين. «التيار حالة اجتماعية أكثر ممّا يمكن تسميته تنظيماً. يستند توجّهنا إلى القوميّة العربيّة بمفهومها العروبي المنفتح، لا الشوفينيّ المرتبط بأنظمة الاستبداد. إضافة إلى ذلك، نعمل على التنوير والمواطنة الحقيقية التي تعيد إلى المواطن علاقته القانونيّة بالدولة من دون واسطات حزبيّة أو عشائريّة أو كتل اجتماعيّة». حينها، لم يكن العمل السياسي ناضجاً إلى درجة التأثير في الشارع. حتى عندما تلقى مثنّى كغيره دعوة إلى «يوم الغضب الأردني» على الفايسبوك يوم 14 كانون الثاني (يناير) 2011، لم يكن يستوعب أنه سينزل إلى التظاهر في وسط عمّان التجاري من دون أن يتعرّض للضرب! وبالفعل، لم يتعرّض الـ 3 آلاف شخص الذين هتفوا «وحدة، حرية، عدالة اجتماعية» للضرب. من حينها، اتخذ التيار «التيار القومي التقدمي» قراراً بالانضمام إلى التظاهرات كل يوم جمعة، حتى جاء يوم 24 آذار (مارس) الذي شهد «اعتصام دوّار الداخلية» الشهير. يروي مثنى تفاصيل الاعتصام كأي شاب آخر تعرّض للضرب بالحجارة، والشتم والاتهام بالعَمالة. ويروي أيضاً كيف فُصلت الكهرباء عن الدوار، وعن الأحجار الملقاة عليهم من «مجموعة الموالاة»: «كان كل شخص مستعداً لتلقّي حجر بدلاً من شخص آخر لا يعرفه. وهذه كانت حالة مستحيلة في الأردن؛ لأن الموجودين من قوميين وبعثيين ويساريين وشيوعيين وإسلاميين، معروفون تاريخياً بأنهم يزايد بعضهم على بعض. في تلك اللحظة اكتشفت أردنيّتي». لكن «عدم خبرة المتظاهرين والدولة بهذا الشكل الجديد من الاحتجاج، أدى إلى الفشل من الطرفين»؛ إذ فُضّ الاعتصام بضرب المعتصمين، ما أدى إلى وفاة أحدهم. بعد ذلك، انضمّ غرايبة إلى «ائتلاف 24 آذار» الذي تشكّل إثر الاعتصام وسُمّي نسبة إلى يومه. لكنه سرعان ما انسحب من الائتلاف لأسباب عدّة، منها «محاولة سيطرة الحركة الإسلاميّة على الوجه الإعلامي للائتلاف، والتوجّه لإقامة اعتصام مفتوح آخر من دون أفق سياسي واضح ومطالب واضحة».
اليوم، ينشط مثنى في «الائتلاف الشبابي والشعبي للتغيير»، الذي يهدف إلى رفع عناوين لا يمكن التفاوض عليها سياسيّاً، مثل التعليم والصحة والضريبة. يقول: «المشكلة تكمن في العدالة الاجتماعيّة، فإذا تحقّقت، يشعر المواطن بمواطنته ويصبح قادراً على المنافسة السياسيّة». مع ذلك، لا يرى مثنى أن الحل في التحركات، بل في «القطاعات التي بدأت تنظّم أنفسها»، مشيراً إلى إضراب المعلمين الذي انتهى إلى تأسيس أول نقابة لهم في تاريخ الأردن، وإضراب عمّال وموظفي شركة الكهرباء الذي انتهى إلى استرداد حقوقهم، وحالياً إضراب عمال شركة البوتاس. يقول مثنى إن حالة وفاة تقع في الأردن كل ثلاثة أيام نتيجة إصابة في العمل، وإنّ الدَّين العام يزداد يوميّاً بمقدار 8.5 ملايين دينار، و«هذه الحقائق لم تكن تطفو على السطح من قبل». لكن ما الحل؟ «يتطلّب ذلك إدارة مؤسسات من قبَل عناصر مندمجين ومقتنعين بأنهم قادرون على التغيير. والشكل الحالي لا يضمن هذا الحل. لذا، إما أن تصبح دولة حميدة تدير إنتاجها وتستخدم مواردها بنحو حقيقيّ يضمن توزيع الثروة توزيعاً عادلاً، أو ينهار الأردن اقتصاديّاً». وعلى الرغم من كل هذا، يردّد مثنى عبارة «تفاءلوا بالشعب تجدوه». هو متفائل بالإنجاز الذي تمثّل في تنظيم القطاعات لأنفسها ضمن ثقافة الاحتجاج، و«تخطّي المجتمع لهوياته الفرعيّة نحو مجتمع قادر على التفاعل والإنتاج». يقول إن الطريق أمام الأردنيين طويل، «لكن من الجيّد أننا عرفنا أنّ ثمة طريقاً». ويضيف: «لاحقاً، سينظّم الناس أنفسهم على نحو جيّد، ليُضطرّ مَن يديرهم إلى أن يكون عادلاً... أو سيفشل».
الاخبار اللبنانية.