facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




فلسفة كرة القدم


م. أشرف غسان مقطش
13-06-2018 02:54 PM

ينطلق غدا قطار كأس العالم في رحلته الحادية والعشرين من محطة "لوجنيكي" في العاصمة الروسية موسكو بعدما توقف لأربع دورات للأرض حول الشمس في محطة "ماراكانا" في ريو دي جانيرو في البرازيل.

ولعل السؤال الذي سيكون محور حديث المتابعين لرحلة هذا القطار هو: ما هي النتيجة المتوقعة لهذه المباراة أو تلك؟ ومن ثم يبسط السؤال التالي بساطه المثير في المحطة الأخيرة "لوجنيكي" لرحلة القطار: من سيفوز باللقب الحادي والعشرين؟

قد لا تخؤج إجابة السؤالين أعلاه عن أطر التخمين والتوقع والتنبؤ ولربما التنجيم، وإذا أصاب أحدنا في توقعه لنتيجة أية مباراة؛ فإن الصدفة ربما تكون قد لعبت دورها بشكل رئيسي في مطابقة نتيجة المباراة لتوقعه.

لكن، لماذا لا تصدق غالبية لا بل معظم التوقعات لنتائج المباريات؟ لكي نكون قاب قوسين أو أدنى من ظل الإجابة الصائبة، لربما كان من الضروري لنا أن نتفهم أولا فلسفة كرة القدم، وإذا عرف السبب، بطل العجب.

من بديهيات الفلسفة العامة أنه إذا كان الشيء (أ) أكبر من الشيء (ب)، وكان الشيء (ب) أكبر من الشيء (ج)؛ فإن الشيء (أ) أكبر من الشيء (ج). وفي كرة القدم، إذا فاز المنتخب (أ) على المنتخب (ب)، وكان المنتخب (ب) قد فاز على المنتخب (ج)؛ فإن فلسفتها لا تقضي بحتمية فوز المنتخب (أ) على المنتخب (ج)، بل تقضي بثلاثة احتمالات متساوية: إما أن يفوز المنتخب (أ) على المنتخب (ج)، أو يخسر المنتخب (أ) أمام المنتخب (ج)، أو يكون التعادل بين الفريقين سيد الموقف في حال لم تكن نتيجة المباراة تقتضي بالضرورة فوز أحد المنتخبين.

وفلسفة كرة القدم لا تعترف بإحدى مسلمات الفلسفة العامة بأن الكل أكبر من الجزء؛ بمعنى أنه إذا كان عدد لاعبي المنتخب (أ) أكثر من عدد لاعبي المنتخب (ب) كأن يكون لاعبا واحدا على الأقل من لاعبي المنتخب (ب) قد تم طرده لسبب ما أو آخر؛ فإن ذلك لا يعني بالضرورة فوز المنتخب (أ) على المنتخب (ب)، بل تنص فلسفة كرة القدم على ضرورة تساوي الاحتمالات الثلاثة الواردة أعلاه.

وتأبى فلسفة كرة القدم أن تأخذ بمقولة ماركس بعين الاعتبار: "التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي المرة الثانية كمهزلة"؛ فالمنتخب (أ) الذي هزم المنتخب (ب) في إحدى المباريات، ليس بالضرورة أن يكرر فوزه على المنتخب (ب) إذا ما التقيا مرة أخرى.

وإذا كان حجم إنتاج القمح –مثلا لا حصرا- لإحدى الدول يعتمد على مساحة الأراضي المزروعة بالقمح في تلك الدولة؛ فإن فلسفة كرة القدم لا تنص على أن الدولة الأكثر عددا باللاعبين المحترفين، يكون منتخبها هو الأوفر حظا بالفوز!

وفلسفة كرة القدم لا تتفق مع مبدأ العلية في الفلسفة العامة؛ فإذا فاز المنتخب (أ) على المنتخب (ب) في إحدى المباريات، وكانت اللياقة البدنية على سبيل المثال لا الحصر للاعبي المنتخب (أ) أعلى منها للاعبي المنتخب (ب)؛ فهذا لا يعني أن السبب في فوز المنتخب (أ) هو علو كعب اللياقة البدنية للاعبيه، وقس على ذلك بالمثل بالنسبة للنضوج النفسي لكل لاعب (أنظر مقالة "النضوج النفسي" لكاتب هذه السطور على الرابط التالي: http://www.ammonnews.net/article/326343)، وشدة الانسجام الفكري بين لاعبي كل منتخب، ومدى نزاهة الحكام، وحنكة ودهاء المدير الفني لكل منتخب، ومستوى مهارة كل لاعب، والتي تنضح بها إناء الموهبة، وكل إناء ينضح بما فيه!

إذن، ما هي فلسفة كرة القدم؟

لعلني لا أكون قد أتيت بشيء جديد مبتكر إذا ما قلت بأن فلسفة كرة القدم هي "الظرفية"! وعليه، لعلني لا أجافي واقع الحال الكروي إذا ما قلت بأن المنطق الذي تقوم عليه "الظرفية" هذه هو: المفاجأة!

وأقصد بالظرفية هنا أن لكل مباراة ظروفها التي تلتحف بها مجرياتها على مدار تسعين دورة للعقرب الكبير في حدود القانون، وعلى مدار دورات عدة للعقرب الأكبر يحددها له الحكم الرابع إن لم يكن السابع في ظل مراقبته للوقت الضائع!

والظرفية هذه هي العلية التي تستند إليها فلسفة كرة القدم في تفسير ما يجري في أية مباراة، وإذا كانت الفلسفة الطبيعية تنادي بأن الحق للقوة على لسان الفيلسوف الالماني نيتشه، فإن فلسفة كرة القدم تنادي أطراف الليل وآناء النهار بأن الفوز للظرفية!

ومن الجدير بالذكر هنا أن فلسفة اللعبة الأكثر شعبية في العالم تستمد مفهومها للعدالة من الكرة نفسها! فالشكل الكروي يعني أن كل نقطة على السطح الكروي تبعد بنفس المقدار الذي تبعده أية نقطة أخرى عن مركز الكرة! وهنا تفسر لنا فلسفة كرة القدم العدالة بأن الكل متساو في حظوظ الفوز باللقب!

وهذه العدالة بالمنظور الكروي، وذاك المنطق الكروي "المفاجأة"، وتلك الفلسفة الكروية "الظرفية" هم الأسباب الرئيسية التي تجعل من الصعب لا بل من المستحيل على أحدنا أن يتوقع بدقة متناهية نتيجة كل مباراة، وبالتالي التنبؤ بشكل صحيح بمن سيحمل اللقب الحادي والعشرين، لكن هذا لا يمنعني من ترشيح المنتخب الفرنسي للفوز باللقب هذه المرة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :