بداية نسجل الشكر والتقدير للمملكة العلاربية والسعودية ودولة الامارات العربية ودولة الكويت على الدعم والتقدير للاردن والذي جاء استجابة للظروف الاقتصادية التي يمر بها الاردن، وهنا لا بد من التأكيد لابناء الوطن إن من لا يشكر الناس لا يشكر، والشكر لوقفة الشعب الاردني واجهزته ومؤسساته على الوقفة الحضارية التي فاجأت العالم، والأن دعونا نفكر بهدوء وبشكل صحيح ، وان نقول الحقائق للجميع؛ للخارج والداخل دون مواربة وبصراحة تامة؛ خاصةً لمن يقولون إنّ دور الدولة مذ تأسست كانت وظيفية، لنقول لهم كلاما موجعاً، ومن قلب ابناء هذا الوطن الذي تحمل فواتير العرب منذ مؤتمر بال عام 1897 ولغاية الآن؛ ومن قبل اتفاقيات سايكس بيكو وانتهاء بالربيع العربي الذي أشعلته القوى الكبرى لتدمير المنطقة العربية وإعادتها الى العصر الحجري، ظناً منهم ان العرب مجموعة من الرعاع وبالتالي لن تقوم لهم قائمة، وقد نسوا او تناسوا ان العرب صُنَّاع حضارة منذ آلأف السنين، وان الأردن منذ تأسيسه صاحب رسالة وهو من حمل مشروع النهضة العربية الكبرى بعد ان قاد ثورة العرب عام 1916.
لنعود الى الموضوع الاساس ونقول بصوت عال:لا تنسوا الاردن، هذا البلد العربي الصادق في نهجه وسياسته ومواقفه وعلاقاته، هذا البلد العربي الذي لم يخذل أمته، وابدأ أسئلتي لدول العالم كافة؛ خاصة دول صناعة القرار، وأقول: ألا يستحق الاردن التقدير والمكافأة على احترام حقوق الانسان والتعاون الدولي؟ ألا يحتاج الى وقفة جادة ، ألا يستحق هبة حقيقية مكافأة على استقباله الموجات البشرية المهجرة من فلسطين ولبنان والعراق وسوريا وليبيا واليمن على مدار العقود الستة الماضية؟ حتى تجاوز عدد اللاجئين ستة ملايين عربي! استقبلهم بحنان واحترام وشهامة وتقاسم معهم كل شيء، رغم قسوة الجغرافيا والديمغرافيا وكل صنوف شظف العيش، وهل يعتقد المانحون ان اموالهم تكفي إدامة حياة اللاجئين؟ ألم تضغط هذه الاعداد على ميزانية الدولة الاردنية وتراكم المديونية؛ خاصةً بعد ان شحت المساعدات الدولية؟ تستمر الاسئلة من رحم بعضها، وهل قبل الاردن هذا الدور الإنساني طواعية أم رغما عنه بحكم موقعه وروابط الدم والمصير المشترك واحترام انسانية العربي؟ ألم يكن بمقدوره ان يغلق حدوده ويرفض هذا الدور في العقد الاخير على اقل تقدير؟ والسؤال المفصلي للجهات التي أشعلت الثورات وفتنها المتتالية؟ ألم تكن بعض دول صناعة القرار هي من اشعلت هذه الثورات؟ ولماذا لم تستقبل تلك الدول اخر اربعة ملايين لاجئ جاءوا الى الاردن من العراق وسوريا واليمن وليبيا بحثا عن الأمان والاستقرار؟ ولماذا رفضت تلك الدول استقبالهم كما استقبلهم الاردن؟ ألم يطلبوا من الاردن القيام بهذا الدور بعد ان تعهدوا بدفع التزامات اللاجئين لحين عودتهم الى ديارهم، ولماذا يتخلون عنهم بهذا الشكل لكي يواجه الاردن وحده متطلباتهم الصعبة؟ ألم تدفع تلك الدول فواتير االحروب التي دمرت الحجر والحياة في سوريا والعراق واليمن، وهجرت البشر الى الاردن؟
لقد عاش الاردن كل مآسي اللاجئين وضمّد جراحهم بمنتهى الانسانية والجدية والاقتدار دون منِةٍ، وتخلت دول العالم عن دعم هذا العدد الأكبر في تاريخ اللجوء الإنساني، وبقي الاردن وحيدا يغطي متطلباتهم حتى وقع المحذور وغدا الاردن وحيدا يواجه فاتورة اللجوء، ولذلك علينا ان نخاطب العالم بقوة ونقول للجميع؛ لا تتركوا الاردن يعوم ويتحمل هذه المآسي وحده، فقد دفع من استقراره ورفاه شعبه كل مقدراته، وآن ان يكافىء لا ان يترك وحيدا يصارع متطلبات اللجوء والفقر والبطالة، وهذا يقتضي ان تتحرك الدول الكبرى لمساعدة الاردن كي يفي بالتزاماته ودوره تجاه اللاجئين؛ الاردن دولة محورية، وهو زاوية مهمة في الاقليم، ولم يبخل بجهوده على كل تحديات المنطقة، ويكفيه شرفاً ما تحمله من اعباء كبيرة في دفاعه المستميت عن حق الشعب الفلسطيني في قضيته المركزية.
واقول لابناء الوطن لا تنسوا وطنكم، فهو أولى بالعطاء والبناء والابداع والتغيير نحو الاحسن، وهذا لا يتم بالتمني والفرجة من بعيد؛ وإنما بالعمل والاخلاص وإيثار العام على الخاص في وقت تضيق فيه ذات اليد، وهنا لا بدّ من تكاتف الجهود والشراكة الحقيقية لتغيير السائد والمألوف، وتغيير قواعد الحوار والعمل والنهج؛ خاصةً ان الشعب الاردني قد اثبت للقاصي والداني أنه يمتلك إرادة حقيقية وصوتا حضاريا يندر مثيله، ويكفيه انحياز الملك عبدالله بكل ثقله الى تحقيق رغبة شعبه في الحياة الأفضل وانتزاعه شرارة ما كان يحاك للاردن وشعبه من دسائس ومؤامرة بانحيازه الى شعبه، وبالتالي استطاع بحنكته وبعد نظره ابعاد الاردن عن قائمة الدول المغيبة او الفاشلة، وبهذا سجل الجميع مسؤولية وطنية تحاكي ارقى الديمقراطيات في العالم .
أعباء الأردن ضخمة، واعداداللاجئين تفوق طاقة الاردن، وهذا يحتم علينا نحن ابناء الاردن أن نبدأ حواراً مع دول العالم ، حوارا يمتلك اوراقاً جادة دون خجل او منةٍ من أحد؛ اذ لا يحوز السكوت على ملف اللاجئين كل هذا الزمن، ولا بد ان يرافق ذلك حوارا داخليا في المسارات الإصلاحية السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية تقوده فرق عمل مؤهلة ومختصة تمتلك وعياً وفكراً منظما واطروحات صريحة وجريئة، وهذا لا يتم دون معاقبة الفاسدين ومحاربة المتهربين من التزاماتهم الضريبية، وهنا يجب ان تكون الدولة واضحة وصريحة وقوية، بحيث تضع النقاط على الحروف لتنبيه المتخلّفين عن دفع التزاماتهم بإعلامهم بالطرق الادارية والقانونية، وتحديد سقف زمني للمعتدين على المال العام ومن أثروا بطرق غير شرعية لإعادة الأموال المنهوبة الى خزينة الدولة بالطرق القانونية، وهذا اُسلوب تلجأ اليه الدول حين لا يستجيب هؤلاء لنداء الواجب واعادة ما اخذوه في الليل البهيم؛ لا نريد لأحد ان يسكت عن الفاسدين والذين قد يأتون بثياب واشكال وألوان مختلفة، فالفساد ياتي على حد قول د.عدنان بو مطيع من البحرين على " شكل وزير فاشل أو شيخ عشيرة جاهل أو نائب بليد أو تاجر غشاش أو عالم دين نصاب أو مثقف مرتش أو إعلام مضلل أو تعليم مضروب. كما يأتي في شكل مواطن يقبل الرشوة، وناخب بلا وعي وامرأة تخلت عن دورها في التربية والتنشئة".(انظر مقالته: انقاذ الاردن إنقاذ للعرب)
وبعد؛ لا بد للاردن ان يقرأ الراهن بوعي وصبر وقوة؛ لانه مستهدف بسبب مواقفه الواضحة من قضايا المنطقة، يجب تقييم العلاقات الداخلية والخارجية بتحالفاتها وأدوارها دون خجل من أحد؛ لأننا اصحاب حق، ولذلك لا يجب ان نتهاون في الدفاع عن مصالحنا، والزمن لا يقبل التأجيل او الخوف؛ لان الشعب الاردني بكل اطيافه اعلنها صراحة وبلا هوادة ان لا مكان بعد اليوم للخوف والترقيع، يجب وضع استراتيجية واضحة للخروج من تداعيات هذه الأزمات المزمنة التي تؤثر على الدولة الاردنية بكل مكوناتها، ويجب ان تعرف كل مؤسسات الدولة واجباتها دون تداخل او تدخل ومحاسبة من يتجاوز القوانين والانظمة في كل مؤسسات الدولة، ويجب ان تسارع اجهزة الدولة والحكومة الى الإصلاح الشامل الذي يحقق للشعب الاردني الحياة الكريمة التي يستحقّها، وان يعرف الجميع ان الزمن لا يرحم، وأنه لا داعي لتكرار الأسماء المعروفة التي جربت وفشلت في مواقعها السابقة بغض النظر عن مسميات عملها؛ خاصة ان سمعناه كان صوتا واحدا يريدون تغيير نهج التفكير والتنفيذ والعمل الجاد وإعطاء كل ذي حق حقه بعيدا عن المجاملات والشعارات، كل هذا يدعونا ان نقف صفا واحدا لأجل الاردن القوي الذي نريد.
mohamadq2002@yahoo.com