عمون- ادم درويش- لا ينكر أي متابع متجرد أن من حق التيار الليبرالي أن يتسيد تشكيل حكومة في الاردن، بعدما جربت الدولة الاردنية عبر تاريخها مختلف أنواع التيارات، من اسلاميين ومحافظين ويساريين، إما بصورة مباشرة او من خلال مشاركات شخوص في الحكومات المتتالية.
ما يميز الليبراليون اليوم في تشكيل حكومتهم انهم تعدوا اسلوب البرنامج التقليدي للحكومات الى الطموح بالنهج ذاته، من خلال خطى مدروسة الى أين نسير، وتحليل كامل للمعادلات الموجودة، وعدم التعنت في المرحلة الحالية مع مختلف الاطراف الشريكة، بما يخدم مشروع طويل الأمد، وليس اسلوب " الاضرب واهرب".
من الواضح ان ما يحدث اليوم في الصالونات السياسية الخاصة باللتيار الليبرالي، هي محاولة تلخيص مختلف الحوارات والندوات والنقاشات السياسية وعمليات التدريب التي خاضوها منذ عقود، مع تحدي رئيسي يواجههم وهو الانطلاق من مرحلة النظرية الى مرحلة التطبيق في مواجهة التحديات.
سر القوائم المسربة ..
على سبيل النكتة يتساؤل الاردنيون عن سر القوائم التي تتشكل وتتسرب وتخضع للنقاش، وخصوصا ان معظمها تميز بحبكة تصل الى 90 % في بعض الحالات، فملك الاردينون التفسيرات التقليدية ان هنالك من يريد اجراء بالونات اختبار، او من يحبك ويشكل لترويج اسمه، والتي قد تكون فعلا هذه من المصادر لعدد من القوائم، لكن القلة من تنبه ان تسريب القوائم والتعديلات النسبية عليها ضمن نفس الاسماء كان من خلال " مجموعات الواتس اب" الخاصة بالحلقات الضيقة لأنصار التيار الليبرالي، فمجرد تسريبها لشخص واحد هي كفيلة بالترويج.
التأخر بالتشكيل ..
بالاضافة الى هدوء اعصاب وذكاء الرئيس المكلف، واستئذانه منذ اللحظة الاولى لتكليفه بحاجته للوقت؛ الا ان السبب لا يعود لإجراء مشاورات "كلاسيكية" بل تعدى الأمر الى وضع مواصفات ومؤشرات رقمية، ومخرجات متوقعة من شخص الوزير الذي سيعين، ومن ثم اقتراح مجموعة من الاسماء التي تحقق اعلى نسبة من هذه المعايير، بأسلوب ال " Head hunter" المتبع بالتوظيف الحديث بعد تحديد ال " TOR " لكل وظيفة، والتي تعني الوصف الوظيفي، من ثم اسقاطها على ثوابت في المجتمع الاردني لا يمكن تغييرها اليوم منعا لمعارك جانبية، وهي التوزيع الديمغرافي والجغرافي للوزراء، مع رغبة جدية من كافة ابناء النهج الليبرالي والرئيس المكلف تحديدا بالتخلص من هذه المعادلة بعد حين ان نجح المشروع.
بالمقابل، حسب بعض المصادر؛ يتعامل الرئيس المكلف بذكاء مطلق مع الاسماء المقترحة من "الجهات الرسمية الشريكة" من خلال عدم رفضه لهذه الاسماء، بل اسقاطها على المعايير، ومن هنا يكون الرفض لها هو رفض " معياري" وليس انطباعي، مع التعامل بلغة الاوزان في الحكومة، اي كم تبلغ حصة كل " جهة شريكة" من غير التعنت بالولاية العامة بالتكشيل.
هذا الأسلوب – ان صحت المعلومات - يدل حقا على نهج جديد في التشكيل، ولكنه بالمقابل يضع السؤال عن امكانية نجاحه، في ظل ان لغة الارقام هي لغة مجردة وكثيرا ما تخالف الواقع.
الأسماء المسربة من التشكيل..
ما يمكن التأكيد عليه ان حلقة الاختيار هي حقا من الأسماء المتدوالة على كثرتها، مع وجود بعض " الشطحات " في الاسماء نتيجة اختلاف مصادرها، فمع استثناء النواب الحاليين، وبعض المتوفيين من المطروحين، ومحاولات زج الاسماء، الا ان نسبة الاقتراب من التشكيل المتوقع لا تبدو بعيدة، مع ترك مساحة المفاجآت التي لن تشكل نسبة كبيرة.
الأسماء المقترحة..
من غير الاسلوب القديم في التشكيل واسلوب الواسطات في تعيينات الوزراء، والتي نجزم ان معظمها لن ينجح في العبور، الا انه من الواضح ان جهات في الدولة العميقة تنبهت مبكرا الى أن الاسماء المتداولة حديثة العهد في العمل العام الحكومي، وان ما ينطبق على مؤسسات المجتمع المدني والمنصات لا يعني بالضرورة يكون نموذجا ناجحا في قيادة سلطة تنفيذية، مما دفع بالتدخل لضرورة وجود " اركان دولة " من العيار الثقيل في الحكومة، تضبط الايقاع، وتواجه تحديات محتملة، لم يتدرب عليها " رجال الدولة الجدد" – مع احترامنا لتوجهاتهم في ما يخص قضايا الجندر –
الاشارات الواضحة ان الرزاز لم يمانع من ذلك، بل سعى الى ان يكون الشخص الثاني في الحكومة هو من رجال الدولة القريبين على النهج والفكر، وهذا ما سيحدده اسم الشخص، بالمقابل، كان الرئيس المكلف متفهما لوجود حقائب معينة في الشركاء، فهو يعلم ان اتباع النهج الذي يحلمه غير مؤهلين على قيادة وزارة الاوقاف مثلا، او انهمن سيصطدمون مباشرة مع البيروقراط او الدولة العميقة في عدد من الوزارات، كالداخلية مثلا، فابتعد عن الدخول في هذه المعارك .
تحديات نجاح المشروع الليبرالي..
لم يعد خفيا ان التيار الليبرالي حاول منذ اللحظة الاولى لاعتصامات الدوار الرابع ان يعمل وفق نظريات "ادارة الانطباع " الاعلامية الحديثة، فكان التركيز على ظواهر محببة في الاعتصامات، قيتار ودرامز، شباب وشابات من عمان الغربية، لغة هتافات وشعارات مدروسة، فلم نشهد في هذه الاعتصامات هتافات "التكبير" و "خيبر خيبر يا يهود"، كما لم نشهد الهتافات اليسارية العتيقة، بل شهدنا خطابا جديدا، مع استثمار مميز لوسائل التواصل الاجتماعي، وتحويل الاضرابات الى حالة من الفرح، وايصال رسائل هامة الى الدولة العميقة من خلال محبة الاجهزة الأمنية المرافقة واحترام دورها في هذه الاضرابات .
عمليا، يراهن انصار التيار الليبرالي وحلفاؤهم من التيارات الاخرى، على قدرتهم على حمل مشروع ونهج جديد في الانفتاح والحريات، وهذا كعنوان عريض هو أمر مقبول ومحبب من الجميع، ولكن هذا الفكر سيصطدم بعقبات عدة؛ البيروقراط الاردني لن يكون سهلا على التطبيق، ومدى قدرتهم على المضي بمشروعهم من خلال اختراق الصف الثاني والثالث من الدولة ، الدولة العميقة وقدرتها على التحول الى هذا النهج والقبول به ، المسائل العالقة كملفات " أبناء الاردنيات، التجنيس، الموقف من الكونفدرالية"، العلاقات الاخرى مع الاعلام والنواب مثلا، لن تكون سهلة المنال.
بالمقابل، من المفترض ان يعلم الرزاز انه يواجه تحديا في اتباع النهج الليبرالي ذاتهم، فمن لم يدخل بالحكومة لن يكون راضيا، وبالمقابل، كيف يمكن ضبط ايقاع " المتطرفين بالليبرالية" من نشر افكارهم والاصطدام مع مجتمع ما زال وسيبقى يحمل النهج المحافظ في حياته .
نتائج فشل المشرروع الليبرالي..
لا يمكن تصور ان كانت الدولة العميقة او اتباع النهج الليبرالي يتوقعون بذكائهم وقدراتهم التخطيطية؛ على قراءة آثار فشل مشروعهم على الدولة، فالتيار اليوم يحظى بدعم منقطع النظير داخليا وعالميا، بالاضافة الى أرضية هادئة مثالية رغم انها اتت على ايقاع اضطرابات غير مسبوقة، في المحافظات منها ما كان اخطر من الدوار الرابع.
بالمحصلة، فشل المشروع الليبرالي في ادارة الحكومة سينعكس لقوة اجهزة اخرى، فالتيار المحافظ اليوم يلتزم الصمت امام الاستفزازات الشعبوية لأنصار الرئيس المكلف، والتي وصلت الىتقديمه ك " وصفي تل " جديد، والتنكيل بكافة الحكومات التي شكلها، والتعامل معهم ببعض اللحظات ك " فلول حكومات سابقة"
جهة أخرى تترقب بصمت الدهاء، هي الحركة الاسلامية، والتي حرصت على " الجلوس على الحيطة وسماع الزيطة" وعدم ركوب الموجة، لمعرفتها التامة بالتراجع الهائل في قدراتها، وثقتها بعدم قدرة التيار الليبرالي على مواجهة تحدياته والمراهنة على سقوط سريع، خصوصا قبيل انتخابات 2020 ان لم يتغير موعدها.
ختاما..
يملك الرئيس المكلف قدرة هائلة على تفكيك المعادلات، واحتواء الاخرين والابتعاد عن الصدامات، ولكن هذا لن يكون كافيا، خصوصا ان حكومته هي حكومة اعادة ترتيب العلاقة مع صندوق النقد الدولي وليس انهائها، مما يعني ان النهج الاقتصادي سيستمر بلغته الرقمية المجردة، كما ان التحدي من بعض شخوص " الليبرالين والتنوريين" واحتفالاتهم الزائدة ورفع سقف التوقعات ستؤثر سلبا على الرأي العام الاردني، بناء عليه، فأن نهج التشاركية مع مختلف الاطياف، والشفافية في التعامل هي المخرج للرئيس المكلف، والا فأن الاستثمار بالشعبية استثمار خاطىء، قد يؤدي الى انهيار اسرع مما نعتقد.