مشاورات الرئيس .. وماذا بعد .. !!!
د.طلال طلب الشرفات
13-06-2018 05:35 AM
لأول مرة في تشكيل الحكومات الأردنية تجري المشاورات في اجواء يلفها الصمت المطبق ويفشل فيها المراقبون والأعلام في قراءة ما يجري في ذهن الرئيس المكلف والأكتفاء بالعناوين الواردة في كتاب التكليف السامي والتصريحات المقتضبة هنا وهناك ، والرئيس الذي يلتقي البرلمان والنقابات والأحزاب دون أن يتأثر او يملى عليه برنامج او اسم هو بالضرورة رئيس واعٍ لمهامه السياسية والدستورية ويتسلح بثقة ملكية ناجزة وثقة راسخة بالنفس ، فأطلالة عابرة على ملفه الضريبي في دائرة ضريبة الدخل وما تضمنه من اقرارات تتسم بالفافية المطلقة ندرك حجم ايمان هذا الرجل بحدود المسؤولية الوطنية وحرمة المال العام والثقة العامة .
مشاورات الرئيس مع البرلمان والنقابات والأحزاب كانت لتعزيز بوادر الثقة وتكريس مفاهيم الحوار الأيجابي والتقاط محاور النشوز ومعالجتها قبل استفحالها ، وفي ظل عدم امكانية تشكيل حكومة برلمانية في هذا الظرف وأنكفاء الكتل البرلمانية عن تبني برامج واضحة وآليات عمل مفترضة ؛ يبقى كتاب التكليف السامي وطموح الشارع الذي لا يحتمل التاخير هما اولويات الفريق الوزاري في التطبيق وعلى الأقل الى حين تقديم البيان الوزاري لطلب الثقة على اساسه ، سيما وان المعايير التي اعلنها الرئيس لأختيار فريقه الوزاري على اساسها هي معايير مبتكرة في الحياة السياسية الأردنية وتحظى بثقة الشارع والمراقبين علة حدٍ سواء .
ملامح التشكيل الوزاري اكتملت او كادت والتكتم الذي رافق التشكيل محمود ومثمر وذلك لأبقاء فرصة التعديل والتبديل قائمة الى اللحظة الأخيرة وفقاً لمتطلبات المشهد الأردني المعقد في هكذا امر ، واذ كنا نأمل ان لا يتفرغ نائب الرئيس المخصص لأدارة ادوات الحوار والصراع احياناً مع القوى الأخرى والبرلمان والمجتمع لأن شؤون الرئاسة تحتاج الى وزير مهني متخصص ومتفرغ نجحت فيه حكومة النسور واخفقت حكومة الملقي ، والأمر ذاته ينطبق على موقع وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية الذي يتوجب فيه ان يكون ملماً بالشأن السياسي والعمل الحزبي والنقابي ويتقن فنون الحوار مع النواب والاعيان وله علاقات حسنة واطلالة واعية على المشهد العام بكل تفاصيله .
آخر وزراء الشباب في حكومة تصريف الأعمال نجح في مباشرة حوار جاد مع الشباب ووضع خطط واعية ما زالت في بواكيرها والوزير القادم عليه ان يبني عليها سيما وأن الشباب اضحوا علامة فارقة في الوعي العام ولهم دور بارز في قيادة الرأي العام الى منطلقات جديدة لم تكن مألوفة من قبل ، اما الأعلام فقد آن الآوان لأعادة صياغة الخطاب الأعلامي وفق متطلبات الشفافية والدقة والوضوح والمكاشفة بعيداً عن الأستعلاء والعبارات المبهمة التي لا تليق بوعي الشعب وقواه الحية ، وبدون ان يضحي الأعلام الرسمي اعلام وطن لا اعلام حكومة لا يمكن بناء جسور الثقة مع الرأي العام .
من اهم متطلبات نجاح الفريق الأقتصادي التجانس التام والعمل بروح الفريق الواحد والأنصياع التام لتوجيهات الرئيس ، وضرورة ان يكون اعضاء الفريق من مدرسة اقتصادية واحدة لمعالجة الأختلالات في التوجهات والاختلافات التي رافقت الحكومات السابقة ، وبدون ان يكون الرئيس المرجعية الوحيدة لعمل هؤلاء ستنفلت القرارات الأقتصادية من عقال الخطط والتوجهات المرسومة لها وسنفتقد للشفافية التي يتوجب ان ترافق الأداء الحكومي وسنعود الى المربع الأول في االتخبط والمعاناة .
بأستثناء ضرورة وجود وجوه سياسية راشدة ووازنة في الفريق الحكومي في بعض الوزارات التي اشرنا اليها والأنتباه الى التجانس الفكري والسياسي للفريق الوزاري ؛ فأن محاولة التخلص تدريجياً من نظام المحاصصة العرقية والمناطقية والطائفية ينبغي ان تصبح هدفاً للحكومة بعد ان فشلت الحكومات السابقة في ابراز فائدة واحدة لتلك المحاصصة بل على العكس فقد ادى ذلك الى تكدس موظفين من فئة او منطقة واحدة في نفس الوزارة او المؤسسة على حساب العدالة الأجتماعية وتكافؤ الفرص من جهة وتكريس الهويات الفرعية في الآداء العام من جهة اخرى .
الاجواء السياسية والنضالية والفكرية التي رافقت نشأة الرئيس المكلف ستنعكس حتماً على سلوكه السياسي وقيادته للفريق الحكومي وهو انموذج جديد للرؤساء لم نألفه بعد ، واذا استطاع التوفيق بين المواءمة والملاءمة من جهة وعدم الانقياد لتأثير قوى الشد العكسي من جهة اخرى ، وضبط ايقاع القرارات السياسية والاقتصادية والتربوية بعقلانية فأن المرحلة القادمة ستشهد انفتاحاً في الاصلاحات السياسية والرقابية وانطلاقاً في القرارات الاقتصادية الايجابية التي تخدم الوطن .
ستحصل الحكومة على ثقة نيابية غير مسبوقة ولكن الأختبار الأهم هو ثقة الشعب فهذا الوطن جبل بتضحيات البناة الاوائل ويستحق منا ان نكون معه لا ان نكون عبئاً عليه ، وحمى الله الوطن من كل سوء .....!!!