حين كنّا نعود من المشاجرات، كنا بكل سهولة نميز من قام بالبكوس والشلاليت الموكلة إليه بكل أمانة وإخلاص وممن أمضاها متخفيا خلف بكم أبو عناد.
من كان يعود فاقدا إحدى عينيه، أو يوجد في رأسه فشخة أوسع من حفرة الانهدام، أو من سيمضي بقية حياته يأكل بلع وعلى شرب الشوربات بعد أن أصبحت أسنانه من ذاكرة الوطن الجميل، هؤلاء كنا ندرك أنهم كانوا في الصفوف الأمامية وقاتلوا بما تملي عليهم ضمائرهم، بينما من عاد من المعركة ولم يفقد زر قميص لا نشك للحظة واحدة أنه خوّيفة، ومتخاذل، وجبان، ولم يخرج من خلف البكم.
من كان يخرج من العرس يتصبب عرقا مثل شلالات ماعين، ويعاني من التعب والإجهاد والتلبك المعوي بحيث لا يستطيع أن يقود السيارة، ومن ثم يغط في نوم عميق الى صباح اليوم التالي بعد أن يشرب إبريق شاي، هذا الشخص كنّا نثمن ونقدر مجهوداته العظيمة وأنه (راعي الهبرة) وتتولد لدينا قناعة أنه قطع في المنسف ومشى فيه أكثر مما قطع الرحالة ومشوا في ربوع الأردن، بينما من كان يخرج من العرس ولم يوسّع حتى حزام البنطال كنا نلومه أشد اللوم بعدم احترامه للمنسف، ونسأل برسم القلق والخوف لماذا ضيع الفرصة التاريخية بأن يغوص في عالم اللبن واللحم!
حين تخرج الزوجة من المطبخ قبل دقائق من موعد الإفطار كما يخرج الناجون من الزلازل، تدرك أن الفطور اليوم مدسم ومدهن، بينما حين تخرج من المطبخ كما تخرج العروس من الصالون، فإن الشك يتسلل لقلبك بأن فطور اليوم مقلى بيض!
أي حكومة حين تخرج من الرابع يكون من الواضح لو أنها اشتبكت مع الفاسدين ولعنت سلسفيلهم لوجدت الفاسدين أقاموا الليالي الملاح وذبحوا الخرفان فرحا برحيلها، بينما حين تخرج الحكومة من الرابع وقد أوقفت علاج مرضى السرطان في مركز الحسين بينما لم توقف فاسدا واحدا حتى على ذمة التحقيق في الجويدة، تدرك أنها خاسرة في معركة الوطن، وأنها كانت خلف البكم!
حين تخرج الحكومة من الرابع تتصبب عرقا من زيادة العجز، وتعاني من التعب والإجهاد بسبب عدم قدرتها على وقف زيادة المديونية، ومن ثم كانت تغط في نوم عميق بالنسبة لمعالجة ظواهر البطالة والفقر والترهل، هذه الحكومة تتولد لدينا قناعة تامة بأنها كانت تمشي في جاهة عروس وليس في مسيرة إصلاح بلد.
حين تغادر حكومة الرابع وتكون آخر تباشيرها أننا قد نعجز عن دفع الرواتب آخر الشهر، تدرك أنها لم تكن تفكر بالاستثمار ولا بتنويع مصادر الدخل ولا خفض النفقات بل كانت لا تعرف سوى أسهل طبخة وهي البلابيف!
الحكومة مع أنها خرجت من الرابع بدون أي إنجاز يذكر، إلا أنها طالبت بعرض أعضائها على اللجان الطبية للحصول على معلولية.
أعتقد أنها تستحق، فالاستثمار في عهدها كان مشلولا، وتعاني من النزيف المالي، وحساسية من الفساد، وتوسع في الإقراض، والتهابات في الشارع، وقصر نظر في التخطيط الضريبي، وتعيين لاإرادي للأقارب والمحاسيب، وضعف حاد في جس نبضات الشعب، وتصلّب في التسعيرة.
حكومة بهذه المواصفات، والأعراض، والإنجازات، إذا ما عرضت على لجان طبية، أعتقد أنها لن تنسب لها بالحصول على معلولية بل ستصدر لها فورا شهادة وفاة!
الغد.