لا يجوز ولا يمكن أن نهلل ونصفق للرئيس القادم، أو أن نلوح باليمنى للرئيس الراحل الذي إجتهد وتبنى مشروع قانون ضريبة الدخل وأصر على عدم سحبه وأخطأ، علماً أن مشروع القانون لم يكن إلا الشرارة التي أشعلت فتيل الإحتجاجات الشعبية على تراكمات تجمعت على مدى السنوات السابقة وأوصلت الناس إلى حالة من الهوان والمعاناة.
لكن من الجائز قوله والمجاهرة فيه وبدون نفاق، أن نهلل إلى سرعة المبادرة الملكية لتأييد الإحتجاجات وشرعنتها، وإنتقاد نهج بعض الوزراء الذين يخبصون ويعيشون مشمشية المنصب، بدون إضافة نوعية أو إنجاز ملموس، وهذا ما يجب أن يضعه الرئيس القادم ذو الشخصية التكنوقراطية نصب عينيه، والذي أسهم إختياره بتهدئة مشاعر الشارع الأردني، الرئيس الجديد شخصية غير إشكالية تدعي أنها تؤمن بدولة القانون والمؤسسات وتدافع عن الحريات العامة، وتؤمن بالإصلاح قبل التكليف وقد ظهر ذلك من خلال المحاضرات والوظائف والتعليقات التي شارك بها الرزاز خلال السنوات الماضية.
على المستوى الشخصي قرأنا عن والده الذي إنخرط في بلورة فلسفة الحركة القومية وعرفنا شقيقه المرحوم مؤنس الرزاز الروائي الأردني والعربي الملتزم، وعلى المستوى المهني علمنا من وسائل الإعلام، وعن خبراته في البنك الدولي والضمان الإجتماعي وعضويته في لجان وهيئات، وفوق ذلك علمه الذي إحتصل عليه في أرقى الجامعات العالمية.
وبالرغم من كل هذه المزايا التي تسجل له، فإن بارومتر النجاح لا يستشهد به إلا بعد أن تبدأ دورة التجربة العملية وظهور النتائج، على الأقل يمكن القول أن مكونات وأدوات التجربة مكتملة لشخص لا ينقصه العلم والدراية، وحسن الخلق، وطيب السمعة، والسؤال الذي قد يطرح نفسه هل الخروج من عنق زجاجة الأزمة الإقتصادية منوط بشخص الرئيس ومهارته؟! والجواب الأكيد هو لا.... فنحن ندرك أن للأزمة الإقتصادية الخانقة عوامل خارجية وظروف ضاغطة مفروضة علينا، وقد أفصح عنها جلالة الملك بصراحته المعهودة.
لا نغبط الرئيس الجديد على ما هو مقبل عليه، ولا نملك أن نعطيه المصداقية سوى على عزمه سحب مشروع القانون بعد أداء القسم، أما باقي الأولويات المتشعبة التي ينبغي الشروع بالتعاطي معها، والمطبات الكامنة التي ينبغي تجاوزها، فتحتاج إلى تبني مواقف غير تقليدية للخروج من عنق الزجاجة، الناس وأصحاب الخبرة والتكنوقراطين يقترحون وينادون بسلة من الحلول لكثير من المشاكل، معتمدين على دراسات وإحصائيات، وتقيم لبرامج إصلاحية كالقضاء على الفقر، والبطالة، والغلاء، والفساد، والتطرف إلا أنها لم تفضي إلى إنفراج ملموس.
الإحتجاجات الشعبية والعفوية والحضارية المنظمة، دقت الجرس في إنتفاضة سلمية حضارية غير مسبوقة، مما يستدعي ضرورة الإنقلاب على أسلوب إختيار الفريق الوزاري، وضرورة العمل غير التقليدي، بما في ذلك الإلتفات إلى تحديد خيارات الأردن، وترشيد التعاطي معها محذرين من عدم رهن إرادتنا إلى أي فزعة أو جهة أو بنك يرمي من وراء مساعدتنا إلى رهن إرادتنا، فقد أثبتت الأيام الماضية أن تلاحم القيادة والشعب قد وضع الأردن كدولة قوية لا يمكن تجاهلها، وأن على هذا البلد أن يتعاطى مع قوى الإقليم بما يتناسب ومصالحه.
من المحطات التي يجب التوقف عندها خلال السبعة أيام الماضية هي مفاجئة النخب والعالم بمدى ما وصل إليه الشعب الأردني من نضج سياسي وحضاري، تمثل في تنظيم المسيرات السلمية، وفي تآخي قوى الأمن مع المحتجين، فلا حجارة ولا هروات ولا إعتداء على الممتلكات، ولا إتهام بمؤامرة خارجية على البلد، بإستثناء تصريح بائس يقول بأن التغريدات الرافضة لمشروع القانون والنهج المتبع هي صادرة من دولة سوريا، سوريا التي علمتنا أحداثها بأن الفوضى هي الوصفة المتبعة لتدمير البلد ومقومات وجوده.