هل الرئيس المكلف من خارج الصندوق التقليدي الذي تعودنا عليه ؟؟ ذلك هو السؤال الأول الذي سيحكم للرئيس أو عليه، أما السؤال الثاني فهو يتعلق بالفريق الذي سيختاره هل هو أيضاً من خارج الصندوق السياسي الهلامي الذي مللنا تكراره ؟؟ .
المسألة لا تتعلق بشخص الرئيس فقط، فهو لاشك من تربة خصبة من الوعي الوطني والقومي ومن أُسرة مشهود لها، وخبرته وتجربته وأكاديميته تُؤهله لأن يتولى هذا الموقع الطموح، ومن المتوقع كما هو بائن في تمهله أنه يُدقق كي يُحسن الإختيار، ولكن هل هذا كاف لإعتماد الثقة والحكم على حُسن الأداء وصواب المسار والوصول إلى النتيجة المطلوبة : فريق وزاري متماسك مؤهل قادر على معالجة مشاكل الأردنيين، وتوفير الاحتياجات الضرورية لمطالبهم، وتحسين الخدمات المقدمة لهم بأسعار معقولة توازي مستوى الدخل، وخلق فرص العمل لأولادهم العاطلين عن العمل وهم بعشرات الألاف، وهم عنوان التوتر والاحتقان والحاجة.
تجتاح أحياء المدن الفقيرة المكتظة، وقطاعات واسعة من أبناء الريف والبادية والمخيمات ضيق ذات اليد، وتدني الخدمات، والرغبة في الحياة الكريمة، مقرونة بالتطرف السياسي والديني والجهوي نتاج غياب قيم التعددية والديمقراطية وفرض اللون السياسي الواحد إعتمدته الدولة خلال سنوات الحكم العرفي كي يواجه التيارات اليسارية والقومية والليبرالية، وحصيلتها النتيجة الموحشة في التخلف والرجعية والتقليدية الطاغية، ومن هنا قيمة ما أفرحتنا به مظاهر هبة أيار من رُقي الأداء السياسي والأمني من طرفي المعادلة المتصادمة، من جموع المحتجين الشباب من جهة ومن قطاعات الأجهزة الأمنية من جهة أخرى، حيث وقع التناغم والتفاهم بدلاً من القمع والرشق والتصادم.
أرضية هبة أيار مقدمة كُنا نتوسلها ونتمناها ولم نكن نتوقع سياقاتها، فقد أطاحت هبة نيسان 1989 بحكومة زيد الرفاعي، وأطاحت هبة أب 96 بحكومة عبد الكريم الكباريتي، وها هي هبة أيار 2018، قد أطاحت بحكومة هاني الملقي، ولم يكن ذلك ما نتطلع إليه ولا زلنا، فالمطلوب أكثر من ذلك، وطموحنا تغيير قواعد اللعبة وليس أدواتها وهذا ما بدأت به بالسؤال عن الرئيس وفريقه في أن يكونوا من رحم الصندوق أو من خارجه فهما وأداء وبرنامجاً.
صحيح أن الأحزاب السياسية اليسارية والقومية ما زالت مثقلة بنتائج الهزائم التي تعرضت لها مرجعياتها الفكرية والتنظيمية والذي أدى إلى تراجع مكانتها ونفوذها الجماهيري، ولكن ثمة تجاوبا وطنيا بادر لها عبد الرؤوف الروابدة وعبد الهادي المجالي ومن قبلهما أنيس المعشر وجمال الشاعر، فمن أحبطهم ومزق صفوفهم وجعلهم عُرضة للقيل والقال، وثمة كُتل برلمانية تشكلت نجحت في رص صفوف أنانيات النواب وفرديتهم، وبنفس النتيجة تم تمزيقهم ورشوتهم لفتفتت تماسكهم وإزالة وحدتهم ، من قبل قوى الشد العكسي المؤثرة والمؤسسات العميقة المتنفذة .
جميعنا علينا أن ندرك أن ما حصل كان جرس إنذار نبهنا إلى أن المجتمع الأردني لم يعد تقليدياً ولم تعد لطبقة المعالي والباشوات والوجهاء الأثر الذي يُؤهلهم كي يُديروا اللعبة، فثمة شباب على امتداد الأردن، عابرون للمحافظات والعشائر والجهويات يصنعون أردنهم المستقبلي الموحد المتماسك القائم على التعددية والديمقراطية وقيم حقوق الإنسان، والدفع باتجاه الإحتكام لإفرازات صناديق الإقتراع وتداول السلطة كما يحصل في النقابات المهنية وهو وحده النموذج الأردني العابر لمرحلتي الأحكام العرفية وإستعادة شعبنا لحقوقه الدستورية، ومن هنا ولهذا يُسجل لقادة النقابات المهنية ووطنيتهم مبادرة مواجهة السياسات الحكومية والتصدي لها، وانعكاسات ذلك بانفجار هبة أيار المدنية السلمية.