تغيير النهج الكتل البرلمانية انموذجا
د. مهند صالح الطراونة
12-06-2018 11:21 AM
لقد شهد الاردن خلال فترة الربيع العربي _ولا اسميه ربيعا بل خريفا عربيا _ جملة من التعديلات التشريعية والدستورية والتي إمتدت بشكل واسع لمجمل العملية السياسية الاردنية و جاءت هذه التغيرات منسجمتاً مع خصوصية المرحلة وإعتبارات الطابع الأردني ومتطلباته الأساسية ،ثم جاءت كتب التكليف الساميه وأوراق سيد البلاد النقاشية تؤكد على ضرورة تطوير عمل الحكومات وآلية تشكيلها وضرورة الانتقال الى نهج الحكومات البرلمانية ، وضرورة نزع الفكر الكلاسيكي القديم الذي ترسخ في نفوسنا واذهاننا الخاص في آلية تشكيل الحكومات وبأن العمل الحزبي هو ترف فكري ، واعتقد ان هذا التغيير لا يكون إلا من خلال عملية إصلاحية شاملة وعمل جاد من قبل الحكومات في تأطير العمل الحزبي من خلال تعديل قانون الاحزاب ومنهجة العمل الحزبي حتى نصل الى احزاب اردنية الهوى والمنشأ قوية وجديرة بتشكيل الحكومات من اغلبية برلمانية، بغير هذا الأمر سوف نبقى دور حول أنفسنا ونبقى أمام مشكلة الحكومات العابرة والارتجالية في إختيار الوزراء وسوف نبقى امام مشكلة الاعتبارات الشخصية والصداقة والعلاقات الشخصية وتدوير ذات الوجوه التي أصبحت مستهلكة في تشكيل الوزارات ولا يخفى على الجميع ان بعض هذه الوجوه هي من اوصل البلاد الى المرحلة مديونية عالية غير مسبوقة وتعطيل للإصلاح السياسي وتغيير النهج الجاد .
احبتي الاعزاء
لطالما حلم الأردنيون في منهج لحياة سياسية وتغير نهج وليس تغير وجوه ترجع للأمة سلطتها من خلال تفعيل دور السلطة التشريعة بالرقابة والتشريع ،ذلك الدور الذي تراجع بشكل كبير واصبح الاردنيون غير راضين عن اداء مجالس من اول اختبار لهم لأسباب لايتسع المقام لذكرها الآن .
ولازال الأردنيون ينتظرون ترجمة اوراق سيد البلاد النقاشية في تفعيل دور الاحزاب وتقوية شأن الاحزاب القوية فيها وتطوير عمل اللجان البرلمانية لتكون نواة ايضا لأحزاب تشمب حكومات برلمانية بناء على برامج اصلاحية جاده
وإن مايدور من مشاورات عميقة الآن لتشكيل حكومة الدكتور الرزاز ما هو إلا إستجابة لمتطلبات الشارع الذي لم يعد يرضى وزيرا يحمل فكر كلاسيكي منغلق على ذاته بينه وبين الشارع ونبضه سد ، نريد وزراء ميدانين من وجوه شابه غير مدوره، وفي الحقيقة اصبحت المشاورات واللقاءات قبل تشكيل الحكومات من الأعراف الدستورية التي يرغب النظام بترسيخها من أجل الوصول إلى تشكيل حكومات برلمانية تلك الفكرة التي لم تنضج بعد ،وفي هذا الصدد ارجع للقول أنه طالما لا يوجد لدينا احزاب تحكم لا يمكن ان نكون أمام حكومات برلمانية ، وطالما مازالت الكتل البرلمانية لغايات الفزعة وانتخابات رئاسة المجلس سوف نبقى في المربع الاول ولا نتقدم بخطوة واحده نحو تغيير النهج .
وهنا أقف عند فكرة الحكومة البرلمانية وتغيبر النهج والذي يجب ان يعتمد على على أساس حكم الأغلبية المنتخبة ، مع وجود معارضة وطنية فاعلة تبقى مترصدة للأخطاء الحكومية والفساد الحكومي بالمرصاد وعرض هذه الأخطاء على الرأي العام الأمر الذي يجسد مفهوم الديمقراطية الحقيقة بمضمونها ومحتواها فحكومة اليوم قد تكون هي حكومة الضل غدا، وحكومة الضل اليوم قد تكون هي الحكومة مستقبلاً ،وهذا المشهد لايمكن أن يتجلى إلا من خلال وجودأرضية خصبة لأحزاب سياسية فاعلة تقدم برامج سياسية إصلاحية وتتنافس على إرضاء الأمة التي هي مصدر السلطات .
وعليه إن تعميق نهج الحكومات البرلمانية وفقا لهذا المفهوم يحتاج إلى تعميق عمل الكتل البرلمانية وجعلها نواه لأحزاب تقدم برامج سياسية يبرز دورها من دورة برلمانية إلى دورة أخرى ،وهذا ما أكد عليه راعي المسيرة وقائدها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في الورقة النقاشية الثالثة ،والذي بين فيها جلالته الممارسات العالمية المتوقعة للحكومات البرلمانية والتي من الممكن فيها أن يكون رئيس الوزراء وفريقه الوزاري من داخل البرلمان أو من خارجه أو من الأثنين معاً .
ولعل ما أشار إليه جلالة الملك تعكس رؤيته الثاقبة وحرصة على إعتبارات الخصوصية الأردنية ومتطلباتها الحالية بعين الإعتبار، فما زالت تجربتنا بالعمل الحزبية حديثة ومتواضعه و تحتاج إلى تطوير ولايوجد لدينا على الساحة الأردنية أحزاب حكم فاعلة لدرجة الوصل إلى حكومات برلمانبة منخبة منبثقة من أحزاب رئيسية ،كما هو الحال عند بعض النماذج البرلمانية، لاسيما النظام البرلماني المهد وهوالنظام البريطاني، الذي يعتمد على أساسين وهي ثنائية السلطة التنفيذيةالتي تتكون من رئيس الدولة (الملك) غير المسؤول سياسيا والذي يمارس صلاحياته من خلال وزرائه، ومن الوزارة المسؤولة سياسيا أمام البرلمان ،وأما الاساس الثاني وهي العلاقة بين السلطتين التفيذية والتشريعية والتي تتصف بالتعاون والتوازن، من خلال آلية تشكيل الحكومات فيها عن طريق الأغلبية البرلمانية للحزب الفائز في الإنتخابات .
وحتى نصل إلى هذا المراد لابد من تفعيل منظومة الأحزاب في الدولة الاردنية وقبل تعديل قانون الاحزاب وقانون الانتخاب ، يقع على عاتق الحكومة الآن عمل خطة جادة لنشر ثقافة الاحزاب في الدولة الأردنية وغرس هذه الثقافة في الشاب خاصة ،حتى تكون نواة لحكومات مستقبلية يتولى أعضائها المنصب الوزراي والنيابي ،وهذا الأمر إعتبره جلالة الملك من الضوابط الأساسية لتشكيل الحكومات المستقبلية ولقد اعجني راي دولة الدكتور الرزاز حول عدم امكانية الجمع بين المنصب النيابي والوزاري في هذا الوقت لعدم نضوج الكتل الب لمانية على الأقل وعدم نضوج الاحزاب التي وصلت البرلمان حتى تشكل الحكومات بشكل ممنهج منها.
و بالرغم من أن الدستور الأردني قد سمح بالجمع بين منصبي النيابة والوزارة تجسيدا منه لمبدأ للتعاون بين السلطات في الدولة حيث ينشىء هذا الجمع تعاونا وثيقا بين السلطتين التنفيذية والتشريعية إذ يكون للوزراء بحكم عضويتهم في البرلمان حق دخول جلساته والإشتراك في مناقشة القوانين التي تعرض عليه ،وكذلك الدفاع عن سياسة الحكومة كما يكون لهم حق التصويت عند أخذ الآراء في المسائل المطروحة للنقاش ،وقد اجمع الفقه الدستوري أن فكرة الجمع هذه تعد أحد المقومات الهامة للنظام البرلماني ،فالوزي يصل إلى منصبه لثقة البرلمان فيه تطبيقاً لسياسة الأغلبية البرلمانية تلك الأغلبية التي تعتبر من اهم ضمانات التعاون بين السلطات .
وواتفق مع دولة الدكتور أن فكرة الجمع هذه لايمكن أن تطبق الآن إلابعد نضوج العلمية الحزبية ونضوج عمل الكتل البرلمانية فلانريدها كتل هلامية تتناحر على المصالح الشخصية ولاتجتمع إلا على المناسف والجلسات الخاصة ، بل نريدها نواة لأحزاب أردنية وطنية تحمل على عاتقها الوطن وهمومه تشكل الأغلبية البرلمانية وصولا لتشكيل حكومات برلمانية .
إضافة إلى إن الجمع بين الوظيفة البرلمانية والوزارية بهذا الوقت دون أن يكون هنالك نضج حزبي قد يضعف من عمل السلطة التشريعية لحساب السلطة التنفيذية ، فلانريد أن يكون الوصول إلى البرلمان هدفاً إلى الوصول إلى الوزارة ، بحيث تكون عظوية البرلمان وسيلة وليست غاية وتكون وسيلة يظفر بها النواب بالمنصب الوزاري ،ويكون النائب رهينا لإرادة ناخبية في دائرته الإنتخابية ،وأني ومن هذا المقام أسالكم بالله عليكم كيف ونحن نعيش ضمن منظومة عشائرية بحته أن يكون النائب الوزير بعيدا عن تأثير قاعدته الإنتخابية التي كانت سببا قي وجوده في المجلس ولذلك تراه يغلب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة وتلك هي سنة الله في خلقه في الافراد والدول والمنظمات التي تحتاج إلى سلطة أخرى تحد من عملها مصداقا لقوله تعالى في الآية 251 من سورة البقرة (لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل عظيم ) صدق الله العظيم .
إلى جانب ذلك أن إرجاء تنفيذ فكرة الجمع بين المنصب النيابي والوزاري لحين نضج العمل الحزبي يعد ضمانه لحسن سير المرفق العام وينأى بالنظام عن الدخول بمعترك الواسطة والمحسوبية والمحسوبية ومن تعمد بعض النواب مع إحترامي للمؤسسة التشريعية إلى إفتعال الأزمات البرلمانية تولي بعضهم للمنصب الوزاري .
وأخيرا الاردن في مفترق طرق ومرحلة جديدة نحو التغيير الجاد في المنهج و يقع على عاتقنا نحن الاردنيون في هذه الفترة تروي الحكمة والنقاش العقلاني بعيدا عن جلد الذات أو المزاودة على حب الوطن وقائده فكل الأردنيون يحملون الوطن وقيادته على عاتقهم ، ومن يطالب في الإصلاح ومحاربة الفساد لايمكن أن يقابله ضد من ينادي في الولاء والإنتماء للوطن ومليكه فكلاهما يحب الوطن وقائده ، وقد رسخت القيادة الهاشمية فينا روح الديمقراطية والحرية التي سقفها السماء إيمانناً منها بأهمية الحوار لمافيه مصلحة البلاد والعباد .
حمى الله الأردن وقيادته الهاشمية صمام أماننا وإستقرارانا ،،،،