في التشكيله الوزارية المنتظره
فيصل تايه
12-06-2018 12:03 AM
الحمد لله ، الأردن بألف خير ، رغم ترقب هبات الرياح المارقة لكنا بحاجة الى تحديث حقيقي يطرأ على مستوى البنية السياسية االداخلية ، وعلى مستوى القرار في الكثير من الأمور الداخلية ، فكم نحن بحاجة ماسة أكثر من اي وقت مضى الى عملية مسح للعناصر المعرقلة في كياننا الداخلي ، وكم نحن بحاجة ايضاً الى أولئك الذين تتوافر لديهم القدرة على انتشال الفساد المتأصل في بنائنا الداخلي ، وهو مستشرٍ أحياناً في بعض البنى الهامة ، إلا إذا أحسنّا اختيار المسؤول ، ولكن هل برز ذلك المسؤول من بيننا بحيث يمتلك مقومات سياسية قيادية قادرة على رصد الواقع من حوله بعمق..؟!.
آن لنا أن نكشف كل الأوراق ونراجع مسيرتنا بكل جرأة وصراحة وموضوعية ، وآن الأوان أن نتحلى بسعة الصدر وتعترف بالذات ، وان تمتلك الشجاعة الكافية وان لا ننكر الواقع كما هو ، ونشخص جوانب الخلل بالحوار الجدي الفعال ، وبالصراحة المتناهية المرجوة ، ونتخلص ونبتعد عن الخطاب المنافق والمتذلل الذي يرمي كل المصائب على اشخاص بعينهم مدبرين غير مقبلين ، متنكرين لمسؤولياتنا ، فمن لديه الحلول (فليشمر) عن ساعده ويخدم وطنه بما يمليه عليه ضميره ، بل ويرضى أن يكون الخادم للشعب ، ولا ولاء له غير الولاء للوطن ..
فما يفرضه الواقع اليوم ما يحتاجه الجسم السياسي والإداري الأردني ، ذلك أن هذا الجسم يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى الى دماء جديدة ووجوه حديثة لتتبوء الحقائب الوزارية المختلفة ، شخصيات قيادية تتقبّل التنوّع والتعدد المجتمعي ، ضمن حكومة تستوعب جميع الأطياف بمكوّناتها المختلفة ، فهل أنتجت البيئة الاردنية مثل هؤلاء ، أم أنها حقاً بيئة طاردة لخيرة أبنائها..؟!.
ان المعطيات والوقائع والأحداث والشواهد في واقعنا برهنت اننا بحاجة ماسة الى شخصيات وطنية اعتبارية تجسد حالة وطنية ناضجة وواعية ، شخصيات تاريخية ومصيرية ترتبط بالمستقبل الوطني المنشود ليحيط فعلها ودورها المأمول وتتحمل أعباء إرث تراكمي من المشكلات والمعضلات ، شخصيات لديها المقدرة معالجة قضايانا بمستويات متفاوتة وبصورة مباشرة وغير مباشرة ، وتقف وتتصدى لكل من يقف ضد تطلعات وأماني وطموحات كل الاردنيين في التقدم والتطور الانساني والنهوض الحضاري الشامل .
ان الحكومة تمثل القلب النابض للجسم السياسي والإداري ، الذي تتوقف على حياته وسلامته حياة وسلامة مختلف أجزاء هذا الجسم ، بل حياة وسلامة كل أفراد وشرائح االمجتمع ، ولن نسمح لنفس الوجوه التي تحاول الصعود إلى المنصّة مرات متعددة ، وكأن الاردن قصرا عليهم ، فلا رصيد تخطيطي يمتلكون ، ولا قوة تنفيذية إن وجد منه ولو قليل في المئة ، ونتمنّى ألا نستيقظ على وطن ما زالت تأكله المحسوبيات والمصالح ، فقد اعتدنا في الحكومات المتعاقبة في تشكيلاتها على الكثير من الوجوه المألوفة في العديد من حقائبها الوزارية مع تغييرات طفيفة أحياناً ترتكز على تغيير المناصب وتبادل المراكز لنفس الوجوه تقريباً ، حتى أصبحت تلك الوجوه معروفة للقاصي والداني وعصية على التغيير والخروج من جسم الحكومة مهما تغير رأس أو هيكل الحكومة ، وكأن هذه الوجوه هي فريدة عصرها والوحيدة القادرة على قيادة وإدارة مؤسسات وأجهزة الدولة التي تتولاها ، ولا تتوافر على الساحة وجوه أخرى ودماء جديدة تضاهيها أو تفوقها كفاءة وخبرة في هذا المجال، ولعل هذا الموضوع يمثل – من وجهة نظري – أحد الأسباب الرئيسية لتراجع أداء الحكومات المتعاقبه .
يمكنني القول إن الاردن اليوم غني جداً بالعديد من الكفاءات والوجوه الجادة والمتخصصة والمؤهلة تأهيلاً عالياً في العديد من المجالات التي يحتاج إليها الوطن ، لكنها للأسف الشديد لم تجد فرصتها في خدمة وطنها وإبراز مهاراتها القيادية والإدارية في قيادة وإدارة والوزارات والأجهزة الحكومية المناسبة لتخصصاتها ، وذلك بسبب بقاء تلك الوجوه ورسوخها كمياه راكدة أو كدماء متجلّطة ، ولذلك إذا ما أردنا للجسم السياسي والإداري أن بنعم بصحته وعافيته وتدب في مختلف أجزائه ومفاصله الحيوية والنشاط ، ليمارس مهامه في خدمة الوطن بفاعلية ، فلا بد من رفد أجزائه ومفاصله الأساسية بدماء جديدة ووجوه جادة ونزيهة ومتخصصة ووطنية لتولي العديد من الحقائب الوزاريه الجديده ، بحيث تعمل هذه الدماء الجديدة على التجديد والتطوير في بنية وهياكل وآليات عمل هذه الأجهزة والمؤسسات لتواكب روح العصر ومتغيراته المتسارعة ، وتديرها بأفكار جديدة ، وأساليب حديثة ومتطورة ، وعقول متفتحة تؤمن بالتغيير والحوار والقبول بالآخر ، والعمل الجماعي بروح الفريق الواحد ، من أجل تحقيق ما فيه الخير والتقدم والنماء لهذا الوطن الغالي.
آن الأوان لاختيار فريق وزاري استثنائي منسجم ومتآلف للعمل يداً بيد لوضع سياسات محورية قائمة على الشفافية والمصداقية والمكاشفة والمصارحة ،وتعزيز الأمن الاجتماعي والاقتصادي أولا ً، وكبح التضخُّم والعجز في ميزان السياسة المالية والنقدية ، وتوفير البيئة الاقتصادية القادرة على الخروج من بوتقة التجاذبات السفسطائية والمعيقات البينية المتراكمة حتى ننال ثقة المواطنين ، بهذا سنكون قد وضعنا أيدينا على الخلل ، وبدأنا نخطو الخطوة الراسخة الثابتة نحو الاصلاح الحقيقي ..
والله المستعان .
ودمتم سالمين