لنفسي آفاق ووديان وشِعاب، ربما أكون في وادٍ غيرَ واديكم، ولعل صدري يحتوي ما لا أستطيع البوح به... كم مرة سَترتُ ألمي وحُرقتي برداء التجلّد، وغطاء الصّبر، كم مرّة اتخذتُ من الصمت حصناً ألوذ به فأجدُ ألفَ حكاية وحكاية، أعطيتُ قلبي لمن لا قلب لهم، وكتبتُ كلماتي لمن لا يقرأون، وإن قرأوا يسيئون الظن ويجحدون، جَحَدوا بها واستيقنتها أنفسُهم ظلماً وعُلُوّاً ...كلّ الأشياء سترحلُ يوماً ما إذا لم تجد الاحتواء الذي تنشدُه والصبر سينفدُ والحياة لا تقف على عتبات أحد.
مشكلتي أنني مندفعٌ جداً، أحضر باندفاع، أقرر باندفاع، أمنح مشاعري باندفاع، أعطي الأشياء أكبر من حجمها ... أكسر نفسي وأعاقبها مراراً كي لا تجرح أحدهم نسمة أو يمسهم حزنٌ بمثقال ذرة، وحين أسقط. أسقط دفعة واحدة أسقط بثقلي كلِّه... لسان حالي قول المتنبي: جُرحٌ في ظَهرِ الخَيلِ مُتَداري،،، لا الخيلُ تَشكي ولا الخَيّالُ داري!
سأظل أتعلّم من الحياة حتى أصل الى المستوى الذي يليقُ بي، والمستوى الذي أكون به جديراً بالتعلّم، أُرضي نفسي، أستندُ إلى نفسي أعودُ اليها طائعاً، التمسُ منها كلّ الأعذار فقد تلوثَتْ كثيرا لترضيهم ورقصتْ فوق الجمر كي تبهرهم، أجبرتُها مراراً على مرضاة الجميع ولكن الطَبعَ غَلّاب كما يقولون، أعودُ إلى نفسي كأكثر الأشياء ثباتاً بعدَ أن أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا، وبعد أن نابَ عن طيب لقيانا تجافينا!
يا صاح، لا علاقة لي بنواياكَ الحسنة وطريقة تفكيرك حين تكون أفعالك سيئة، ولا علاقة لي بجميل روحك وسِنحَتِكَ ما دامَ لسانكَ مؤذياً.. سئمتُ من محاولاتِ إنقاذك وأنت تهوي الى الحضيض، لقد أثبتّ لي يا صاح مع الزمن أن تضحياتي البريئة لم تكن في نظرك سوى لحظات غباء استغلّيتها أسوأ استغلال وتفاجأت بنظراتك الساخرة في الوقت الذي كنت فيه انتظر الشكر والعرفان أو باقة من الورد مكتوبٌ عليها ولا تَنسوا الفضلَ بينكم.
يا لَقِمّة الجحود والنكران فقد مضى زمنٌ طويل وأنا أمضي معه بعشوائية، سَقَطَت مني أحلامي وأمنياتي وقوّتي التي كنتُ أهشُّ بها على الآمي ولم أقف لألتقط أي شيء، يا لَقِمّة التضحية، أمضي وفي صدري مخاوف، أخاف أن أقف فأسقط، أخاف أن أسقط فلا يلتقطني أحد ... ضاعت الاحلام وانتثرَتْ كواكبها تحت وطأة نكران طاحونة الزمن وقسوتها.