المسلمات هي نواميس بناء الكون و هي الرابط الانضباطي ،كلما حاول الإنسان التلاعب بالقوانين الفيزيائية كلما حلت عليه الكوارث.و الأمثلة كثيرة في هذا ابتداء من حماقة ماوتسي في الصين بقتل الطيور لحماية المحاصيل الزراعية فانتشرت الأمراض و الحشرات التي أهلكت الزرع فجاءت المجاعة الكبرى مروراً بظاهرة "جنون البقر" التي جاءت بعد أن تم طحن الأسماك و إطعام الأبقار فحصلت الكارثة بمرض غريب سمي "جنون البقر".
وهذه النواميس ليست في استخدام السلطان بمعنى العلم في اختراق فيزيائية انضباطية الكون بل أيضاً في تحدي العقل الجمعي في تطور البشرية بصورة عامة و مجتمعات معينة.
الاحتلال لأي مجتمع لا يمكن أن يستمر وستكون هناك جيوب مقاومة تؤسس لنهضة شعبية عامة،و الاستبداد بكل تصنيفاته و أقسامة سيزول حتماً، و حركة التاريخ لا ترتد قد يجوز أن تتعطل لكنها لا ترتد فشلاً ، و حركة التاريخ ترتبط فهماً منطقياً بالسلوك المجتمعي المتغذي من سلطتين معرفيتين سلطة الغرب العلمية و سلطة الحضارة بكل القيم و التقاليد و الإرث الثقافي،و النخب في المجتمع تستفيد من قراءة واقعها بفهم السلوك العام للمجتمع و التناغم مع التفكير الجمعي الخاضع للتطور ما بعد النشوء.
جميع الحركات السياسية التي عاشت عصراً ذهبي في فترة ما استطاعت الانتشار و الاستقواء نتيجة وجود حراك تغير اجتماعي تقبل أي فكرة عقائدية في سبيل تحقيق نهضة ما بعد الاحتلال و السيطرة .
تلاش وجود هذه الأحزاب و التنظيمات لأنها في مراحل التطور العام للمجتمع لم تستطيع أن تمتلك الإجابات للمسلمات،و ظلت في ذات الدائرة بإخضاع كل مراحل التطور لذات القاعدة للتحليل ، فدائرة الفهم عند المستبد حاكماً أو الحزب الشمولي هي وجود قضية مركزية بشكل هلامي غير واضح و وجود مؤامرة دولية و وعود بالرخاء .
ذات الأمر دائماً في أوروبا في العصور الوسطى قضية مركزية تحت أسم استرداد بيت المقدس فشنت الحروب الصليبية و التي كانت غطاء على فشل الملوك و قصورهم في بناء نهضة حقيقية في ذالك الوقت، وذات الرأي بمواجهة أي إصلاح بأنها فكرة شيطانية أو مؤامرة ، وذات الحماقة في الواقع العربي قضية مركزية و مؤامرة خارجية و الاعتراض على إرادة الآلة.
منذ بداية عشرينيات هذا القرن إلى بداية التسعينيات و الأفكار الشمولية هي المسيطرة لم تستطيع أن تحقق نهضة أو انتصار بل خلفت شخصية وطنية مهزومة بالاستبداد المطلق ، الربيع العربي لم يكون أكثر من حركة تغيير اجتماعي واجبة الحدوث انتصرت في مكان و خضعت في مكان أخر إلى التعطيل، وفي كلا الحالتين الغالبية الساحقة هي من تدفع الثمن ، إلا أن الثمن المدفوع سيؤسس لقيام النهضة عاجلاً، والعاجل في هذا السياق قائم على تسارع النهضة الإنسانية،فالمستقبل لا يحتاج إلى سنوات بل أحياناً إلى أسابيع.
وبالعودة إلى جذور الخلل الذي أصاب المجتمعات بالفشل هو تحول أصحاب و أنصار والمدافعين عن الفكر الشمولي إلى حالت الكنعاني "بلعام بن باعوراء- في زمن سيدنا موسى" من رجل صالح يملك الحكمة إلى مبهور بالسلطة . فجميع الأفكار الشمولية بهيئاتها التنظيمية استطاعت الوصول للسلطة إلا أنها لم تستطيع تقديم مشروع نهضة حقيقي وأن ارتبطت الانجازات عموماً بمرحلة مؤقتة، وهذا الانجازات أصابت سهامها القطاع الاقتصادي و الصناعي و الزراعي و لم تصب الإنسان بشخصيته الوطنية، فتحول الانجاز العام إلى انجاز فردي يخص الحاكم و الحزب الواحد.
شخصية الإنسان العربي شخصية تيه حقيقي بلا ملامح فيها الكثير من التناقضات التي سببت له ضبابية عامة في رؤية المستقبل و في التفريق بين الحق والباطل، مع أن أحداث عظيمة كانت سبباً في كشف طريق صناعة النهضة، و الملام في هذا النخب أولاً ، مع ما تعانيه من اليد القصيرة في الإعلام و أدواته مع أن البديل حاضراً إلا أنها لم تستطيع احتواء المشهد الإعلامي و أعادت إنتاجه فهماً مبسطاً للعامة.
جميع انجازات المجتمعات العربية هي انجازات فردية لشخص الحاكم لم يشارك الإنسان بالاحتفال بها و حتى الحرية تم تسويقها على أنها منحه شخصية و ليست حق طبيعي مكتسب.
النهضة لا يمكن أن تكون بدون شخصية وطنية تصنع الأحداث وتحقق الانتصارات، وحركة التغيير الاجتماعي تحت مسمى "الربيع العربي" تسهم بخلق الشخصية الوطنية وتحت فهم الليبرالية بالمعنى الإنساني العام.
ليس غريباً أن نسقط الأسطورة على واقعنا فالحاكم الملهم (طفلٌ لم تقتله الملائكة فسمي "عزازيل" وصار بعد أن تكبر و تجبر إبليس ،وهو أخر من تبقى بعد الواقعة الكبرى بين الملائكة و الجن الذين استوطنوا الأرض بعد قتالهم للحن و البن أو السن و الخن ،فعاد الجن و أفسدوا فساداً عظيماً، فكانت الواقعة الكبرى ،نزلت الملائكة وقاتلتهم و نجا الطاووس) ، و الحاكم بأفكاره الشمولية و بسلطته جاء نتاج واقعة طرد المستعمر بكل مراحل الإضرابات بعدها والذي يجسد شخصية "عزازيل" و الملائكة الثوار الأحرار الذين قاتلوا المستعمر "الحن و البن" و اليوم بحركة التغيير الاجتماعي يعود الإنسان ليكون الخليفة في الوطن بديلاً شرعي لما سبق.
وفي هذا وجب أن تكون النخب في مقدمة الركب تشير للباطل بالسبابة و تهدي الجمع للحق، و مسببات النهضة بعد ولادة حركة التغيير الاجتماعي تكون بتعزيز الشخصية الوطنية و إبرازها و تحديد أسباب التخلف وفهم معنى تعريف العدو.
و العدو الدائم و الأخطر من أمتلك مشروعاً توسعي يهدف إلى إبادة الشخصية الوطنية و إحلال التزوير مكانها بالتاريخ و القيم و الواقع.
البداية كانت دولة الأحواز و بعدها العراق و سوريا و اليمن و البحرين وغيرهن الكثير من الشواهد غير القابلة للتحريف، المشروع الفارسي الأخطر على مشروع النهضة.
فكان لابد لفئة عاهدت ربها أن تتصدر المشهد في كشف المشروع وتعريته بعد أن فهم الإنسان العربي و وعي لمسببات تخلف النهضة داخلياً، فكانت النشأة للهيئة الدولية لمقاطعة النظام الإيراني جهداً وطني عروبي وهو من أهم مراحل تطور حركة التغيير الاجتماعي التي جاءت تحت عنوان "الربيع العربي".
التقت تقدمية و وعي الجبهة العربية لتحرير الأحواز صاحبت الفكرة مع نبوءة و نبوغة فرسان الهيئة المؤسسين بضرورة التوعية و التحشيد و التعبئة لهزيمة المشروع الفارسي.
إن الهيئة الدولية لمقاطعة النظام الإيراني جزء أساس من عوامل استمرارية حركة التغيير الاجتماعي و من الأسباب الواجبة فيما بعد انتصار الربيع العربي الهادف إلى نهضة إنسانية في المجتمع العربي .
تحديد العدو الدائم و الأخطر وكشفه يسهم في تقدم الجمع إلى نصف طريق الانتصار.
*أمين سر الهيئة الدولية لمقاطعة النظام الإيراني