الرزاز بين ثنائية فكر الشعب وأحادية سلوكه
د.هشام المكانين العجارمة
11-06-2018 04:08 AM
جميل هي الغيرة عندما تكون في موضعها وراقٍ هو الفكر عندما يطمح إلى التقدم وهذا حق لأي شخص يحمل غيرة وفكراً، وجميل أن تقترن الغيرة بالسلوك، وجميل أكثر أن نقطف نتائج ذلك محبة وبراً وخيراً. ولكن أن نقطف شوكاً على شوك ! ومرارة على مرارة ! فهذا ما يثير في النفس الدهشة وكأنه ليس لنا أعين نبصر بها أو آذان نسمع بها.
إن ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع تحديداً هو ما يجري على الساحة من انتفاضة وطنية بامتياز تجاه حقوق مسلوبة وآمال منتهكة ومقدرات مغتصبة، انتفاضة أرسى دعائمها جلالة الملك عندما خاطب الاردنيين جميعاً بأن يضغطوا من أسفل ليضغط هو بدوره من أعلى، ولأن الشباب دائما هم معقل الرجاء خرج شبابنا ليقول للعالم أجمع : أن لنا وطن يعيش فينا قبل أن نعيش فيه وأننا هنا لن نسمح لمن كان أن يغرق الوطن ونحن به عابرون.
وهنا مربط الفرس كما يقولون من جعل الوطن يترنح في وسط محيط ملتهب ؟
لا شك بأن الاسباب عديدة ولعل من أهمها سيطرة تلك الشرذمة من المتنفذين المتغولين على مقدرات الوطن الوارثين لمواقعه ومناصبه وهذا ما تحدث عنه كثير من محللين واقعنا المرير، لذا لن اتطرق لهذا السبب بقدر ما سأتحدث عن جانب آخر من شخصيتنا، جانب حري به أن يثير الشفقة و هو أن نمتلك ثنائية الفكر على نحو يجعلنا أكثر ندماً.
ولكي أكون أكثر وضوحاً
نريد كما يريدون اصلاحاً حقيقياً ونهتف كما يهتفون بصوتك أمانة ونعزف ما يعزفون من ألم الحقوق المسلوبة وخيبات الامل وظنك الحياة، حتى نقول بأن هذا الذي ينادي فإنه ينادي لنا، واذا ما اقتربت ساعة الصفر كاختيار ممثلي الشعب نعود للخلف فكراً سنوات عديدة وكأننا صم عمي لم نرى من نور الحياة شيئاً ثم ننتهج سلوكاً واحداً
فنختار من يحتار القلم بوصفه حقا ليس لشيء إلّا لأنه ابن العم ونصرته واجبة ظالماً أو مظلوما وكأننا نعزف ألحان مغناة بصوت فيروزي : ( أنا لابن عمي ،، وابن عمي إلي ،، خليه يرفع اسمي ،، بلاش أنحني ،،،) ونحن كما هو يدرك تماماً أن ابن عمه لا يصلح لما ننادي به
وهنا تشرق ملامح الانكسار، وتخصب تربة الاندثار، وتزداد تلك الملامح والخصوبة عندما نزف للوطن من هو ليس أهلٌ لأن يُزف، فيتكلم بلساننا تلعثماً أن لم تصبه أفيزيا الكلام وديسلكسيا السلوك، ويبدأ بتراشقنا منحه لثقة في غير مكانها وموافقة على ضرائب لم يعد بالامكان تحملها وصفقات هنا وتعهدات هناك وسياسات تنفيع للأقارب وبيع للناخبين. والنتيجة نبقى نرواح مكاننا ننظر بعين السخط لما يحدث ونقول : لما حدث ذلك ! أين تلك المقدرات التي نزعم ؟ ألى أين يذهبون بالوطن !
ونتساءل أيضاً ما من رشيد يخاف الله في الوطن المكلوم ؟
لتأتي الاجابة هناك من رشيد قطعاً ولكنه لا يجد من يشاركه هم الوطن والمواطن ومقابل ذلك هناك من لا يفرق الامر معه وكلنا في ذلك شركاء فمقابل من اشترى الذمم هناك من باعها، لذا لنسخط عليهم وعلى أنفسنا.
أن ما أعنيه هو أن ما أصاب الشعب اليوم نتاج فكره وسلوكه فعند العشيرة ترفع الاقلام وتجف الصحف وعند الوطن لا بواكي وكأنه صنع في الصين فلو أفرز الشعب حقيقة مجالس نيابية على قدر من المسؤولية لما خرج الشعب وانتصر وفرح لنصره الملك وافتخر، ولما كان الرزاز في موقف لا يحسد عليه من تحديات جسام وهموم كبار أعانه الله عليها.
وبذات السياق تزداد ثنائية فكرنا عند الانشغال بتشكيلة مجلس الوزراء فنجد البعض يتبرع بأسماء وزارية وآخرون يتسلقون بالسلوك ويروجون لأنفسهم بل ويجثون أرضاً، والبعض عينه على القادم لا ينشغل بالمنبت بقدر أمله بالمنجز، والبعض الاخير يُبصر الاعين على أشخاص هم أهل للعمل والانجاز بحسب اعتقاده، ذلك يبحث عن المحاصصة بغية المحاصصة بحد ذاتها وآخر يبحث عنها لتحقيق العدالة الاجتماعية ،، وفي نهاية المطاف إن كان منا أحد فبه ستزهو المناصب وإن لم يكن أحد سنستشيط غضباً.
أي ثنائية تلك !
وأي اختبار ذاك الذي كُلف به الرزاز !!
ويبقى الخيار للرزاز داعين الله له أن يُحسن الاختيار وأن لا يدفع المستوزرين إلى أن يصبحوا تويتريين فيفقدنا رؤيتهم فالشعب جله فيسبوكيين لا طاقة لتويتر بتعداد أحرفه أن يضم شكوى جراحه.
خلاصة القول : سيبقى الاردن لأبنائه المنتمين والبررة المخلصين لن يثنيهم عن محبته الاقصاء والتهميش ولا الحرمان والعوز ،، ولنتقي الله في أنفسنا ولنتذكر كيفما نكون يولّا علينا،، رغم أننا فقدنا ما بجعبتنا ولم يبقى لنا إلّا بريق الشباب الذين هم للوطن والوطن لا يكون إلّا بهم ،،