كانت أحداث الأردن الأخيرة موضع اهتمام اعلامي، إقليمي وعالمي، أكثر مما أهتم به الإعلام المحلي. وتفاعلت معه مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني، نقابات وأحزاباً؛ كما قامت أدوات التواصل الاجتماعي بدور فاعل... وكان صوت النقابات الأعلى والأكثر امتداداً على الساحات في مختلف المدن وميادينها. وأشادت مختلف الوسائط الإعلامية، وبخاصة الخارجية بالمستوى الحضاري الذي اتسم به ذلك الحراك حيث التناغم والحوار ساد العلاقات والتعامل ما بين الأجهزة الأمنية والمواطنين، بدافع حسٍ عالٍ من المواطنة والمسؤولية الاجتماعية والسلوكية والأخلاقية.
لسنا بمعرض للأسباب والدوافع، الآنية والتراكمية، لهذا الحراك بمختلف إبعاد الأسباب، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فقد انتهت فعاليات ذلك الحراك بسلوك حضاري أيضاً، تسوده العقلانية، وتسرّب الارتياح والشعور بالرضا مجتمعياً بنزع فتيل الأزمة والتطلع إلى معالجة أكثر عمقاً وتفهماً لهذه المسألة الاجتماعية، وما بهمنا هو ما بعد هذا الحراك، وما يتلو هذا الموقف الوطني المسؤول والمشترك، الذي دعي إلى (حوار وطني أكثر شمولية وعقلانية)، فالمواطن (لا يجوز أن يكون الطرف الوحيد الذي يدفع الثمن) حسب تعبير الرؤية الملكية.
إذا ما أريد لذلك الحراك أن تتوج نتائجه بالايجابية والنجاح فثمة مؤشرات وتوجهات أصبحت من الوضوح والتطلعات الوطنية:
أن نجاح الأردن في تجاوز هذه الأزمة لهو رسالة للجهات الخارجية، وبخاصة المعنية بفرض حلول في المنطقة، بمتانة المجتمع الأردني، قيادة وشعباً، وأنه قادر على الصمود، ورفع شعار الاعتماد على النفس والحفاظ على (الأردن الوطن) مهما كانت التبعات، والأهم من ذلك، أنه لا غنى عنه وعن دوره في أي حل تتعرض له المنطقة.
أكدت هذه (الأزمة) أن مفهوم التنمية السياسية، القائم على الركن الرسمي، غير قادر على إيجاد نهج سياسي يبعث الحيوية في العمل السياسي، فهو شأن مجتمعي يقوم على ديموقراطية المؤسسات، العامة والخاصة والمدنية يتطلب وضع رؤى جديدة للتنمية السياسية، والأوراق النقاشية الملكية غنية بالأفكار والتوجهات، لخلق تنمية سياسية يصفها المجتمع ويقودها تلقائياً.
أن المرحلة التي تمر بها المجتمعات المعاصرة، تعتمد نهج منظومة: (الديموقراطية والشفافية والمساءلة). والأردن أصبح، على ضوء ذلك الحراك، في أشد الحاجة أكثر من إي وقت مضى إلى اعتماد هذه المنظومة مؤسسيا بدرجة عالية من الكفاءة والفعالية: كفاءة الأفراد، وفعالية المؤسسات.
أن من أهم متطلبات الإصلاح الشامل المستدام هو الاعتماد على ما يسمى (المركز الفكري الوطني) أو ما يعرف بال (Think-Tank) بشكل شمولي يعنى بجميع قطاعات المجتمع الأردني ومجالات نموه وتحديثه ومعالجة قضاياه المستقبلية.
(وقد أشرت في مقالة سابقة إلى حجم اعتماد المجتمعات المعاصرة على هذا النهج).
وأخيراً، لقد أصبح الحوار الوطني، بمنهجية علمية وعقلانية، لمعالجة المسألة الاقتصادية، مطلباً منتظراً... وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية امتداد آفاق ذلك الحوار ليتعمق في الأسباب والدوافع اقتصادية وسياسية واجتماعية، وفق الكفاءة الفكرية والمهنية والتخصصية والخبرة السياسية التي يمتلكها فريق الحوار المنتظر.
الدستور