التقينا بمعية رئيس التحرير المسؤول الزميل محمد حسن التل ، ورفاق السلاح في "الدستور" برئيس الوزراء الاسبق ، طاهر المصري ، في مكتبه ، واللقاء الذي نشر البارحة ، هام للغاية ، ويحوي اشارات يتوجب التوقف ، عندها ، فهي تأتي من "رجل دولة" يمتلك الصراحة ، والدبلوماسية ، في ذات الوقت.
تستمع الى المصري على مدى ساعتين ، في تحليل عميق للشأن الداخلي ، وبعض شأن العرب ، وتخرج من عنده وانت تعرف ان اهم ما يميز رجل الدولة الحقيقي ، هو حرصه على الاردن ، وبغير هذا الحرص ، يصبح اي سياسي ، عضوا في نادي "المؤلفة قلوبهم" وهو اخطر ناد في حياتنا ، ممن يعتبرون الاردن ، مجرد جسر للعبور الى مصالحهم ، وحين يفيض المصري بكلامه تعرف ان ظاهره يتطابق مع باطنه ، وان الاردن بالنسبة له هو المعيار الاساس للوطنية ولحياتنا كلنا ، في لغة لا تحتمل التأويل والالتباس.
الرئيس ، لم يحب كثيرا ان يتطرق الى مرحلة وجوده في رئاسة الوزراء ، لسببين اولهما انها مرحلة مرت وتحدث عنها كثيرا ، وثانيهما لاعتقاده ان المستقبل هو الاهم ، اي مستقبل البلد ، وهو يقول انه بكل امانة ودون ادعاء لم يجد من المنطق انذاك الانقلاب على الديموقراطية ، والتلويح بحل مجلس النواب الذي ناكف حكومته بشدة ، معتبرا ان رحيل الحكومة ، كان افضل للبلد ، وللحياة النيابية ، بكل المعايير ، فهو لم يهرب من المسؤولية ولم يتهرب ، من اي مواجهه ، خصوصا ، ان مبدأ المواجهه هنا كان في المحصلة مكلفا ، على حساب الشأن العام ، الذي هو اهم من الاشخاص والحكومات.
يعترف الرئيس انه كان ضد قرار فك الارتباط في مرحلة القرار وما بعده ، لكنه اليوم ، يرى ان الامر اصبح واقعا ، وهو ليس ضد القرار ، لان هناك سلطة فلسطينية قائمة تنتظر التحول الى دولة ، وان الاعتراض سابقا ، كان للظروف الموجودة ، وهو يرى ان ترجمة القرار الى خطوات يجب ان تنحصر بتلك الفترة ، ولا تمتد الى ترجمة متواصلة حتى هذه الايام.. فعند اتخاذ القرار اصبح من غرب النهر فلسطينيا ، ومن شرقه اردنيا ، ولا يجوز برأيه ان تتسع حالات تطبيق القرار ، وان يستمر كأنه قد اتخذ للتو ، مؤكدا ان مصلحة الاردن الاولى والاخيرة هي في قيام دولة فلسطينية ناجزة متصلة.
يقول الرئيس ايضا ان ما يقوله البعض عن مخاطر تتعلق بالوطن البديل والتهجير وغير ذلك من مخاوف ، لا يدل ابدا على اننا بلد هش ، اذ ان هذا الكلام موجه للجانب الاسرائيلي ، الذي يجب الوقوف في وجه اي مخططات له ، ولا تعكس نبرة الحذر بشأن المستقبل اي شعور بهشاشة البلد او ضعفه ، فعلى العكس كما يقول "لسنا بلدا هشا" وليس عابرا للطريق او التاريخ ، مضيفا انه من حق الاردنيين ، ومن حقنا جميعا ، ان نخاف على الاردن ، دون ان يعني ذلك ان الحريص يشعر بضعف او هشاشة الاردن ، بل التحذير يعكس الاخلاص للبلد ومستقبله.
لا يقيّم المصري حكومة الذهبي الحالية الا ببضع كلمات ، ولا يدخل في التفاصيل ، وهو يتحفظ ، هنا ليس لعدم قدرته على الكلام بل لكونه كان رئيسا للحكومة في وقت سابق ، ولانه يرى ان الوضع العام ليس سهلا ، مشيرا الى وجود اخطاء وقعت ، وهو في ذات يعلن تخوفه "المشروع" من تأثر الوحدة الاجتماعية الاردنية سلبيا باي انتخابات لمشروع الاقاليم ، معتبرا ان الانتخابات النيابية والبلدية ، تركت اثار حادة على الوحدة الاجتماعية ، وان الخوف من انتخابات الاقاليم يتعلق من احتمالية استنبات هويات ثانوية في الاقاليم بما يؤثر على هذه الوحدة الاجتماعية التي من مصلحتنا ان نحافظ عليها ، وعلى معانيها وعلى صلابتها ، ولانها مكون اساس من مكونات الدولة والبلد.
كلام المصري يعبر ايضا عن ان الاردن ما زال به رجالات ، لهم اهميتهم ، على عكس ما يقوله بعض "الندابين" من ان الارض خلت واقفرت.
m.tair@addustour.com.jo