الحزن على الطريقة الأردنية
سامر حيدر المجالي
01-05-2009 09:11 PM
البعض يمارسون ما يظنونه حزنا على طريقتهم ، وآخرون يستدعونه بحسب دوافعهم ، وهؤلاء وأولئك يفعلون شيئا آخر يختلف عن الحزن ، وعن حقيقته التي لا تُُمارَس طقوسا ولا تُُستدعى بحسب المواسم . الحزن الحقيقي لا يُبرمَجُ سلفا ، فهو ذو سطوة وفنون من الكدر ، إنه حالة فريدة تبيَضُّ منها العيون ، ولا يدركها إلا الذين حزنوا حقا ، حتى تعلقوا بالحزن وأصبح لديهم الأصل الذي لا يستغنون عنه .
غير أن للحزن المبرمج شأنا خطيرا ، وهو نوع من المشاعر شاهدتم الكثير منه مؤخرا ، وليس يندرج فيه أولئك الذين يركبون الموجة أنى توجهت . بعض الذين تحدثوا عن ( يزن ) مثال على راكبي الأمواج ، لم يُبكهم منظر حصانه الخشبي ولا التفاصيل المروعة لعذاباته ، وإنما ابتدأت طقوس الحزن عندهم بعد إيقاد الشموع ، ومسيرات التضامن الرسمية ، التي حَضَرها أشخاص مهمون ، أربت أهميتهم على الحدث ذاته ، وعلى ما ولَّده من صدمة واستنكار .
نعود إلى الحزن المبرمج ، أو بدقة أكثر المرتبط بمواسم وذكريات سنوية ، تُستدعى فيها المشاعر ، رثاء ونظما وتفجعا ، واستنكارا لواقع ما .. وهنا مكمن الخطورة ومربط الفرس .
في كل مرة يرثي الأردنيون فيها ( حابس ) أو ( وصفي ) أو سوى هذين العظيمين من الأعلام والرموز ، فان رثاءهم يمتد ويتشعب ليصبح حالة من التمرد ، والنقد القاسي المبطن ، الذي يحمل بين طياته أضعاف أضعاف ما تؤديه الكلمات ، أو تستطيع الإفصاح عنه الضمائر . إنه نوع إشكالي من الحزن ، حزن ولا حزن ، تَستترُ فيه المشاعر الحقيقية وراء المشاعر المستدعاة ، وان كانت الصلة بينهما واضحة كل الوضوح ، فيتحول فيه الرثاء عويلا ، والبكاء ندبا ، وتلمح بين الكلمات غضبا عارما ، وقنوطا من حاضر مفجع مُبك وقاتل للهمم .
لماذا هذا الكم من الحنين يقابله هذا الكم من الغضب ؟ ولماذا يتكرر المشهد ولا انجاز يذكر ؟ ولماذا نصر على أن نولد الانطباع الشائع وفحواه ان الذين ذهبوا لا يتكررون أبدا ، وأن البطون التي أنجبتهم انقلب خصبها مَحْلا وبوارا ؟ هذا ليس مجرد تشاؤم ، ولا سياسة في باطن الرثاء ، أخاله استسلاما لمجتمع ( عظامي ) يرفض الفساد ويكتوي بجحيمه ، غير أنه عاجز عن عبور القنطرة ، وليس مستعدا لأن يدفع الثمن المطلوب لعبورها .
هل لاحظتم الخيط الرفيع الذي يفصل بين الذكرى من حيث هي ذكرى ، والذكرى من حيث هي أسف وقنوط ولعن للحاضر الذي لايتغير أبدا ؟ الأولى حزن ، أما الثانية فهي وهن وضعف . دعوكم من أكثر الذي يُكتب ويقال ، من هذا الكم الهائل من التزلف والدجل ، فهو لا يدل على شيء ، ولا يقيم برهانا إلا على محدودية الرؤية ، وأنانيتها وجهلها واستهتارها . دائما هناك كلمات لا تقال ، هذه الكلمات هي الأهم ، وهي الحقيقة والواقع و ( الجَلَلُ ) الذي لا يخرجه حزن من نوعية الحزن الذي نمارسه ، ولا يكون عند خروجه إلا مكتملا ، ناضجا أتم ما يكون النضوج .
العجيب أننا نمارس حزن القبيلة لنتفجع من خلاله على مآسي مجتمع دخل الألفية الثالثة أسوة بسواه من الشعوب . هل هذه ازدواجية وتشظٍ ؟ أم مجتمع يعبر عن أصالته بطريقته الخاصة ؟ الجواب بحاجة إلى ( حفريات ) عميقة نجريها في ذواتنا قبل أن ندرك السر العميق الذي يجعل القبيلة تستدعي ذكرى فرسانها وأمجاد غابرها ، حين تغضب من حاضرها . تستدعيهم لا لتستفيد من سيرتهم ، بل لتمعن في العويل والنحيب ... فحسب .
ملاحظة : هذه الكلمات التي لم ترتق لأن تكون مقالا مكتملا ، ليست رثاء لشخصية معينة ، ولا مجرد تعبير عن الغضب والقنوط . هذه الكلمات حزن حقيقي ....