"كيم جونغ" مخفوراً بين موسكو وواشنطن
د.حسام العتوم
10-06-2018 02:29 PM
اللقاء الذي تم حديثاً في (بيونغ يانغ) بتاريخ 31 أيار بين سيرجي لافروف وزير خارجية الفدرالية الروسية وبين الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ، والترتيب للقاء رئاسي هام بين الرئيسين "كيم" و"بوتين" إلى الأمام هذا العام 2018، واللقاء المرتقب بين الرئيسين (كيم) و(ترمب) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 12 حزيران المقبل في سنغافورة يضع رئيس وزعيم كوريا الشمالية (كيم جونغ) المعروف بعناده ومشاكسته للولايات المتحدة الأمريكية بشأن تجارب بلاده النووية المحظورة وفقاً لقوانين النادي النووي العالمي والوكالة الدولية للطاقة النووية في حالة (الجلب مخفوراً)، ولكن بطريقة دبلوماسية وسياسية ذكية ناجحة تسجل أولاً لموسكو التي تؤمن سياستها الخارجية بالحوار وتقوده وتدعو إليه، ولمناداتها بعالم متوازن متعدد الأقطاب، ولبحثها الدائم عن أمن العالم وسد فجوات النزاعات الدولية. وقابل هذه المعادلة تقليد أمريكي لموسكو بواسطة الاقتراب من كوريا الشمالية ومن خطورة تجاربها النووية بدلاً من مواجهة المشاكسة بمثلها كما فعلت تماماً في السابق، وهي أي واشنطن وبما تملك من جهاز استخباري قوي (C.I.A) حذرة من التعامل مع ملف كوريا الشمالية النووي، وسبق لها أن أجلت لقاء مرتقباً في الماضي القريب بين كيم جونغ ودونالد ترمب بسبب تصريحات متناقضة لـ"كيم" قابله عناد متجدد ومشاكسة من قبل (ترمب) الذي يتشابه معه سايكولوجياً.
إن تسوية ملف كوريا الشمالية النووي روسياً وأمريكياً يضع العالم في سلة الأمن الدولي ويبعده عن كارثة كان من الممكن أن تندلع في أية لحظة لو نشب عراك نووي لا سمح الله وقدر بين بيونغ يانغ وواشنطن، ومهما تكن قوة أمريكا النووية عملاقة، فإن ما تملكه كوريا الشمالية من قدرات نووية وسط تراسانتها بإمكانه أن يؤذي الشاطئ الأمريكي المواجه لكوريا الشمالية، وصاروخ كوري شمالي نووي مثل (هواسونغ 12) وغيره العابر للقارات قادرة للوصول إلى (سان فرانسيسكو) مثلاً بنصف ساعة في الوقت الذي هو فيه امريكا قادرة وبما تملك من ترسانة (باتريوت) متطورة من إسقاط صواريخ كوريا الشمالية في وسط طريقها عبر قاعدتيها العسكريتين في كاليفورنيا وألاسكا.
وحري بنا هنا أن نأخذ بعين الاعتبار أيضاً لقاء المصالحة بين مون جي إن رئيس كوريا الجنوبية ونظيره الشمالي كيم جونغ في المنطقة الحدودية بتاريخ 28 نيسان 2018، وهو الذي أعطى مؤشراً جديداً ونوعياً على أهمية تقديم السلام على الحرب، وبأن أي سلام وإن جاء ضعيفاً أفضل من أية حرب مدمرة، وتم الاتفاق على تحويل هدنة 1993 إلى سلام دائم يسدل الستار على الحرب الكورية السابقة، ولنا في التاريخ عبرة من الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقبل السلام الكوري – الكوري كان هدير المهاترات السياسية عالياً، وكانت الغلبة لطبول الحرب، لكن صوت العقل انتصر، ونريده كذلك بين أمريكا وكوريا الشمالية تحديداً، وكذلك مع إيران رغم اختلاف واشنطن معها لصالح أمن إسرائيل أولاً قبل أمن الشرق الأوسط والعالم.
وبكل الأحوال يبقى الملف الإيراني النووي هو الثاني خطورة بالنسبة لأمريكا بعد الكوري الشمالي، ولا مشكلة لروسيا بطبيعة الحال مع الملفين النوويين الكوري الشمالي والإيراني بسبب اعتمادها للحوار وتقديمها للاتفاقيات على المشاكسات، ولم تتمكن الاستخبارات الأمريكية (G.I.A) قبل وبعد الاتفاق النووي (5 + 1) الموقع عام 2015 في العاصمة النمساوية (فيينا) من الوصول إلى معلومات دقيقة حول خطورة مشروع إيران النووي السلمي المشكول باحتمال تحوله إلى عسكري من قبل الاستخبارات الإسرائيلية قبل غيرها، وتعرف (تل أبيب) بأنها المستهدف الأول من قبل الأيدولوجيا الإيرانية وسلاحها الصاروخي ومنه النووي المزعوم، وما أرويه هنا لا يعفي إيران من خطورة تدخلاتها الدينية واللوجستية والعسكرية والسياسية في شأن العرب، واحتلالها لجزر الإمارات خير مثل، وأزمتها مع السعودية وهي كبيرة بالمناسبة مثل آخر، واختراقها للعراق، وسورية، ولبنان، واليمن، والبحرين، مثل ثالث مقنع، وعدم انسجام الأردن مع سياسات إيران رغم العلاقات الدبلوماسية العريقة منذ عام 1979 ورفضه العرض البترولي الإيراني المجاني لثلاثين عاماً مثل رابع، وهي العلاقات التي تحسنت دبلوماسياً عام 1989 بعد وفاة الخميني، وتراجع إيران تكتيكياً عن تصدير الثورة، ومصافحة أردنية – إيرانية قادها جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله مع الرئيس الإيراني حسن روحاني على هامش القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي حول القدس بتاريخ 20 مايو 2018 أثارت اهتمامات الإعلام الشرق أوسطي والدولي وتحليلاته بشأن احتمال تقديم الأردن لإيران على المحور الأمريكي – السعودي، وهو الذي لم يحصل، وبقيت العلاقات الأردنية الأمريكية السعودية في مكانها، والإيرانية كذلك في المقابل.
وأبقت كل من روسيا وأمريكا على الملف الفلسطيني رغم أهميته وخطورته في المرتبة السياسية الثالثة بعد الأولى الخاصة بكوريا الشمالية والثانية المتعلقة بإيران مع علمنا مسبقاً بأن لكل قضية معايير خاصة بها ولا تشابك حقيقي، وهنا نلاحظ وضوح الموقف الروسي الرسمي من القضية الفلسطينية المنادي بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وبالعودة لأوراق الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وانتقاد روسي لخطورة أحادية الجانب الأمريكي بشأن القدس، ونقل السفارة الأمريكية إليها دون العودة لمجلس الأمن الذي صوت ضد المشروع بالإجماع فيما اعترضت أمريكا تحت ضغط الصهيونية، وجاء الموقف الأمريكي مغايراً ومنحازاً لإسرائيل علناً في موضوع القدس والذي هو أهم من مسألة نقل سفارة واشنطن إليها، وكذلك الامر في قضية المستوطنات، وفي موضوع إدانة عدوان ونازية إسرائيل ورفض حماية المقاوم الفلسطيني بقانون.
والسؤال العريض الذي يطرح نفسه هنا هو كيف لأمريكا أن تقبل وضح النهار وتحت الشمس إسناد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولأراضي العرب الأخرى، وللممارسات النازية لإسرائيل ضد أهل غزة وعموم فلسطين وترفض حمايتهم، بينما هي روسيا مختلفة في موقفها وتدين الاحتلال الإسرائيلي لأراضي العرب، وتطالب معنا نحن العرب إسرائيل بالعودة لحدود الرابع من حزيران 1967؟ ما الفرق بين روسيا العظمى وأمريكا العظمى هنا؟
والأهم ليست القوة العسكرية أو الاقتصادية وإنما التمسك بالقانون الدولي والعمل المؤسسي المرتكز على أعمال مجلس الأمن، والأمم المتحدة، ومحكمة الجنايات الكبرى.ولدي قناعة بأن روسيا لوحدها تتوازن عسكرياً مع أمريكا وأوروبا أي (دول الناتو) إن لم تتفوق عليهم نوعاً، فيما الميزان الاقتصادي لصالح الغرب عموماً، وفي الوقت الذي تعتمد روسيا اقتصادياً على ذاتها وعلى الاتفاقيات الاقتصادية الخارجية، نلحظ بأن أمريكا تفتعل الأزمات السياسية والعسكرية خدمة لاقتصادها. وستبقى القضية الفلسطينية العادلة عالقة من دون حلول ناجعة مقنعة ما دامت الصهيونية حاكمة العالم ومسيطرة على أهم مؤسسات أمريكا مثل (البنتاغون) و(الكونغرس) و(الايباك)، وما دامت اليهودية ناخرة في الغرف القيادية لأكبر دول العالم المؤثرة في قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة.
وجاءت المسألة السورية وربيعها وتحولاتها تجاه الإرهاب والخراب والفوضى في المرتبة الرابعة واحتلت مؤقتاً وطويلاً المرتبة الثالثة بل وتقدمت على كل الملفات سابقة الذكر نظراً لسخونتها وديمومتها، وهكذا كانت منذ اندلاعها عام 2011 وتطورت بعد انتقال السيناريو فيها من الأمريكي من دون دعوة إلى الروسي بدعوة، وعبر حضورها وسط (80) دولة صدّرت الإرهاب إلى داخلها، وتباين في النظريتين السياسيتين الأمريكية التي اخترعت الخطة (ب)، ورغبت بأن يطبقها العرب أولاً وتحت مظلتها، وهي التي قدمت الهدم على البناء المجهول، بمعنى إسقاط نظام دمشق وتصعيد القادر على الإمساك بالسلطة حتى لو كان محسوباً على التطرف، والأهم ضمان أمن إسرائيل وخدمة مصالحها.
والنظرية الثانية كانت للروس الذين قدموا إلى دمشق بدعوة وحركوا المسارات السياسية عبر (جنيف) و(الاستانا) وجنيف من جديد، والعسكرية الصاروخية الفضائية والبحرية وسلاح الجو، ومسح الألغام. والإنسانية من خلال تقديم آلاف الأطنان من المساعدات للمواطنين السوريين مباشرة، غير آبهين بالحرب الإعلامية ضد دورهم والذي أخضعوه للفوبيا الروسيا، وعملوا على مواجهتها عبر إعلامهم والإعلامات الصديقة لهم. وفي الشأن السوري تشكلت أربع جبهات: روسية وإيرانية وحزب الله رغم الاختلاف، وتركية، وأمريكية، ورقابة إضافية لدول الجوار السوري، وتدخلات إسرائيلية عسكرية، وكان الأردن دائماً وسط الأزمة السورية داعياً للسلام وللمحافظة على وحدة التراب السوري، ومستقطباً للاجئين السوريين ضمن الإمكانات الوطنية المتاحة وعلى حساب خزينة الدولة، ومعتبراً إياهم أشقاء أصحاب حاجة إنسانية هاربين من سعير النيران. وفي الساعة الأخيرة من عمر الأزمة السورية نجح الاتفاق الأردني الأمريكي الروسي في فتح منطقة خفض التصعيد غير المسموح دخولها حسب سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا فقط للجيش النظامي السوري وليس حتى للمعارضة السورية الوطنية المتنافسة على السلطة في دمشق ليس عبر صناديق الاقتراع وإنما بواسطة المقاومة والسلاح. والأسد يطالب برحيل الأميركان عن أرض بلاده على غرار العراق. وفي نهاية المطاف أمن العالم هو السيد، والتنسيق الدولي والتعاون الدائم هو المطلوب.