المجتمعات التي لا يكون نموها عضويا وطبيعيا بايقاع يتناغم مع حراكاتها في مختلف المجالات، قد لا ترى في حرق المراحل تسديدا لمديونيات ثقافية وحضارية، لكن ما يصاحب هذه العملية من اعراض قد لا يكون جانبيا، تماما كالدواء الذي يضطر الطبيب الى ايقافه او استبداله اذا كانت اعراضه خطيرة، وغير قابلة للاحتمال.
والمجتمعات العربية التي تلقت عدة صدمات متعاقبة خلال نصف قرن بحاجة الى ترشيد هذه الصدمات، فهي في مكوناتها الذهنية وانماط تفكيرها وسلوكها استهلاكية، ومنفعلة وليس فاعلة، وهي ايضا صدى وليست صوتا، وقد تكون حالات القلق والاضطراب التي تشكو منها هذه المجتمعات قابلة لأن تتفاقم، لأن المديونيات بمعناها غير المادي اكبر من ان يتم سدادها، كما ان العالم بتسارعه المحموم في التطور لا ينتظر من يعانون شللا جزئيا او رباعيا !
ان الفارق بين ذهنية تنتج واخرى تستهلك لا يتوقف عند حدود الاقتصاد، فالمعرفة ايضا ترتهن لهذه الثنائية، ولهذا يجد المستهلك المفعول به في كل ميادين الحياة نفسه مضطرا للتأقلم مع ما يقوله الاخرون عنه، لأنه غير مؤهل لتشخيص امراضه، وبدلا من ان يكون طرفا حول مائدة مستديرة يصبح طبقا على سطح المائدة.
الصدمات التي خلخلت النسيج كله بكل خيوطه بحاجة الى ترشيد والى اعانة الناس على فهم ما يجري لهم وهم آخر من يعلمون، لكن النخب المنوط بها هذا الترشيد مستغرقة في غيبوبة من درجة تنذر بالخطر، لأنها نخب مستولدة بأنابيب المال والايديولوجيا والسلطة، لهذا فهي جاهزة للاعارة والتوظيف والاستئجار، وبدلا من ممارسة دورها التاريخي وهو النقد، تتورط في التبرير والتزوير والتعمية بدلا من التنوير والكشف !!
الرأي