كان اسبوعا استثنائيا في الأردن. حكومة استقالت وتكلّفت أخرى، وبينما كانت مشاريع القوانين المثيرة للجدل هي القشة التي انتظرها ظهر الحكومة للقصم، كان واضحا أن الخندق بين الحكومة وبين الناس يتسع، وأصبح واجبا تنحّيها بعد أن استنفذت اسباب وجودها.
هذا نصرٌ كامل للوطن، لجلالة الملك الذي أرسل ولي عهده مؤازرا، لبسمات الدركيين وضحكاتهم وهم يقفون صفا واحدا مع المحتجين، لهتافات ليالي العشر من حزيران التي كتبت بحبر وطني له رائحة العطر.
وهو اسبوع استثنائي إلى جهة السقوط المدوي لمشروع أحزاب وطنية تمثل الشارع، وربما سقوط مؤسف للدور المتوقع من مجلس النواب كمؤسسة منتخبة يفترض فيها أن تكون في طليعة الذاهبين إلى الدوار الرابع، وان تتصدى قبل النقابات ومؤسسات المجتع المدني، لكل قرارات الحكومة ذات صفة التأزيم.
إن ذلك يعيدنا للمربع الأول في الحياة السياسية الأردنية، بل وينسف كل آمال الناس بالكتل الهلامية الوهمية في مجلس النواب، تلك التي تشكل لغايات محددة بوقت وغاية، ثم تتسرب كأنها لم تكن.
لقد كرّست وقفات الدوار الرابع أكثر من حقيقة؛ كان أولها غياب النخب السياسية والثقافية وبالطبع النواب، عن تصدر المشهد، وعفوية المتظاهرين الذين أدركوا أنه لا يحك جلدك مثل ظفرك، وتحقيق موطىء قدم في الحياة السياسية لجيل كامل من الشباب الذي بدا أنهم لم يعودوا مقتنعين بأن هناك من يفكّر عنهم أو يعمل من أجلهم.
المهم الان ليس شكل الحكومة الجديدة ولا من هم اعضاؤها، الأولوية ستكون لبرنامجها الزمني في التعامل مع ملفّات التأزيم، سواء ما تعلق بالملف الإقتصادي الأكثر تعقيدا، أو بوضع الناس على أول الطريق فيما يتعلق بنموذج أردني في الحياة السياسية يستند على قانون انتخاب يؤسس لحكومات برلمانية ويتكىء على أوراق الملك النقاشية.
وإذا ما أرادت هذه الحكومة أن تضع بصمتها في العمل الحكومي الوطني، فإن عليها تغيير النهج في التعامل مع الأشياء. لن يكون ذلك ممكنا دون تمكين الأحزاب على الساحة الوطنية من أداء دورها السياسي، ثم قانون انتخاب يضمن تشكيل مجلس نواب يعكس تمثيلا حقيقي للناس، ثم حكومة برلمانية تنشأ وفق برنامج واضح ووطني متكامل، وحكومة ظل تراقبها وتعدل من مسيرها لتنفيذ برامج وطنية تحظة بالقبول من مختلف الشرائح، كما هو في الديمقراطيات العريقة.
في ظلال الصفقات الإقليمية التي تطبخ على نار هادئة، وفي ظل التوقع بأن تنوء المملكة تحت وطأة الضغوط بقبول هذه الصفقات والتعامل معها بإيجابية، فإن من أولويات حكومة دولة الرزاز أن تنفتح على حوار وطني كبير وغير مسبوق، وأن لا تكتفي بروتين المشاورات الديكورية، حيال مختلف الملفات، كي تخرج قراراتها وطنية ومقبولة. هذا أساس النجاح وخارطة طريقه لكل الحكومات.
أعرف دولة الرئيس المكلّف منذ زمن بعيد، أشد على أزره وعضده في التعامل مع مسؤوليات كبيرة، وأهمس في أذنه ناصحا، أن يتقدم ببرنامج حكومي، يقوم أساسا على الحوار مع كافه القطاعات، وان يقف على الملفات السياسية والاقتصادية معا ويفتحها ثم يقفلها بطريقة تضعنا على أول الطريق نحو الخروج من الأزمات في ظل كافه التحديات الخارجيه والداخليه.