منذ اليوم الأول للأزمة التي انتهت بسلام ولله الحمد، وبصورة تكاد ان تقارب المثالية التي تُدَرّس في دكاكين السياسة، لا بل منذ الساعات الاولى التي بدأ معها تصاعد الاحداث بشكل دراماتيكي، حيث الحكومة السابقة أمست معتدة برأيها بشكل أقرب الى العناد، وبصورة سرعان ما ساهمت في تحشيد الشارع المثقل بالخيبات، وبدا المشهد مربكاً وغامضاً وقابلاً للتأويل والتحوير، شد هنا وجذب هناك، غمز ولمز وتحليلات افتقرت الى الدقة والموضوعية، ولا أريد هنا ان اخوض في تفاصيل الازمة، بل أردت ان اشيد بجهود هذا الرجل الذي تفرّد بدوره في تفكيك القنبلة الموقوتة، بحنكة عز نظيرها، وبأسلوب الساسة الكبار، ورجاحة عقل الشيوخ وحكمتهم.
لقد تابعت كما تابع الكثيرون تحركات دولة فيصل الفايز التي اثارت اهتمامي كمواطن غيور على وطنه، وحينما بحثت عن رجال الدولة الاردنية الذين "صدّعوا" رؤوسنا تحليلاً وتمحيصاً وتدقيقاً، وأزاغوا أبصارنا انتقالاً من اليمين الى اليسار وبالعكس، بدون مبالغة لم أجد غيره قد باشر بإمساك العصا من المنتصف، يتحدث بلسان غرف التشريع حيناً، وبلسان المواطن الذي يكاد ان ينفطر قلبه على وطنه حيناً آخر، يدخل الغرف المغلقة التي لا يجرؤ أحد على طرق أبوابها بكل رشاقة، بعيداً عن الظهور الاعلامي واجترار التصريحات التي دأبت الحكومة السابقة على ترديدها، حيث جسّد نكران الذات في أسمى صوره ومعانيه، فكانت له اليد الطولى لإنهاء الأزمة، لا بل زاد على ذلك بأن سارع الى احتضان الرئيس الجديد، واضعاً بين يديه مقاربة "فيصلية" لملامح المرحلة ومتطلباتها.
نعم لم تنفض المناصب عن دولته غبار البادية وأصالتها، ولم ينقلب على أردنيته حين غادر المناصب، حتى أتته طائعة مذعنة، ولم يتنكر لجهود من سبقوه من رجالات حملوا الوطن في قلوبهم وعلى اكتافهم، وما زال يعطي دون فضل أو منة، فلقد كان لجهوده دوراً مفصلياً في إعادة النهر الى مجراه، وتحويل المشهد المرتبك الى حالة صحية تضاف الى منجزات هذا الوطن، والى سفر جديد من أسفار التلاحم والتقارب بين القيادة والشعب.
إن كل مواطن ومواطنة اردنية -من وجهة نظري المتواضعة- مدين لدولة فيصل الفايز بالشكر والعرفان على تحركاته المكوكية خلال الاسبوع المنصرم، وعلى تصريحاته التي وأدت بذور الفتنة في مهدها، وعلى استنهاضه لهمم رجالات الدولة، وعلى تقديم مفاتيح الخروج الآمن من الازمة بأقل التكاليف والخسائر في آن معاً، فطوبى لهذا الجهد الدؤوب، وهنيئاً لهذا الوطن بأن حظي برجل مثلك، جمع ما بين السياسة و"الشيخة"، واستطاع بروح المحارب ان يصهرهما في بوتقة واحدة، مُنشئاً بذلك مدرسة سياسية جديدة وفريدة، ندعو الله جلت قدرته ان يحفظها لنا ولقيادتنا على الدوام.