الرزاز و التحول الاقتصادي
الدكتور غازي العودات
08-06-2018 03:38 AM
لقد تم سحب مشروع قانون الضريبة وأسقطت الحكومة التي انبثق عنها المشروع على هدير الشارع الغاضب الذي تأذى من نهجها وسياساتها وقدم الاردنيون تعبيراً حضارياً مميزاً في تظاهراتهم وفِي اداء مؤسساتهم الأمنية التي أصبحت عنواناً ومثالاً يحتذى بسعة صدرها. الآن عدنا الى النقطة الاولى فيما يتعلق بقانون الضريبة. فما المساحة
المتاحة لحكومة الرزاز والحوار الوطني الذي ستبني عليه خطة عملها؟
بالعودة الى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ومنشوراته المتعلقة بالأردن، نجد اننا بحاجة للصندوق للحصول على قروض ميسرة من المؤسسات المالية العالمية وعلى رأسها اليابان وأوروبا وكذلك للحصول على مساعدات مالية عاجلة للخزينة عبر شهادة حسن سلوك الاقتصاد الأردني. وبذات الوقت نجد ان الصندوق يتبنى مباديء رئيسة يجب الالتزام بها، فنجده قد انتقد الاْردن لتأخرة في تقليص الاعفاءات وزيادة شريحة المكلفين بضريبة الدخل، فالصندوق يسعى لادخال من دخله يزيد عن ٦ الآف للفرد و١٢ الف فاكثر للعائلة.
لا اعتقد ان الخيارات المتاحة تتجاوز اعادة التفاوض على تمديد الاتفاق مع الصندوق او اعادة هيكلة النظام الضريبي في الاْردن بما يحقق زيادة في ضريبة الدخل وعدم التوسع و/أو تقليص ضريبة المبيعات وهذا الامر قد يؤثر على المالية العامة للدولة. في جميع الأحوال حتى لو حصلنا على مساعدات وهبات للسنة المالية الحالية، هذا الامر لن يخرجنا من الأزمة التي ستتأجل الى إشعار لاحق ليس ببعيد.
ما يواجه الاْردن هو أزمة حقيقية تتعلق بالفشل الاقتصادي المتراكم في بنيته وهيكلة، الامر الذي يفرض علينا التحول الى اقتصاد إنتاجي لا ريعي بحيث انه لا يمكن الاستمرار في ادارة الاقتصاد الحالي بادوات الماضي. اﻟﺮّزاز نفسه عبر عن ذلك كما يقول محمد ابو رمان في حديثه عن مصر بأن ﻣﺎ ﺗﻐﯿّﺮ فيها ھﻮ "رأس اﻟﻨﻈﺎم"، ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺑﻘﯿﺖ اﻷدوات واﻵﻟﯿﺎت واﻟﺪﯾﻨﺎﻣﯿﻜﯿﺎت وﺷﺒﻜﺔ اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻓﺎﻋﻠﺔ. والاكتفاء ﺑﺘﻐﯿﯿﺮ رأس اﻟﻨﻈﺎم ﻟﻦ ﯾﺆدي إﻻّ إﻟﻰ ﺗﻐﯿﯿﺮ اﻟﻮﺟﻮه إذا ﻟﻢ ﺗﺘﻐﯿﺮ اﻟﻤﻌﺎدﻟﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ. فهو ﯾﺮى أّن اﻹﺻﻼح اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻟﯿﺲ ﻣﻤﻜﻨﺎً ﺑﺪون إﺻﻼح ﺳﯿﺎﺳﻲ ولا بد من التزاوج بين الإصلاح السياسي والاقتصادي عبر خارطة طريق تأخذ جميع التحديات المهمة.
المطلوب إذن هو استراتيجية واضحة لتغيير النموذج والمعادلة الاقتصادية من خلال سياسيات تقوم على العدالة وعلى إشراك الاردنيين في صنع السياسة الاقتصادية للبلاد وعدم هيمنة السلطة التنفيذية على التخطيط الاقتصادي الذي ظل في الكثير من جوانبه باحثاً عن كاميرات الإعلام لإنجازات وهمية. وهذا يستدعي اصلاحاً سياسياً لمواجهة اكبر أزمة تاريخية يمر بها الاْردن، الامر صعباً وحساساً للرزاز لكن سحبه لقانون الضريبة بداية لتفكيك المسألة الاقتصادية القائمة في مشوار البحث عن حلول جديدة لمرحلة جديدة، وهي خطوة تحسب له لا عليه.