إدارة الإعتقاد وأكاديمية التغيير
أ.د.محمد طالب عبيدات
07-06-2018 02:41 AM
كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة وخصوصاً منذ زمن الربيع العربي عمّا يسمّى بإدارة الإعتقاد أو أكاديمية التغيير، حيث الحكم الذهني الجازم والإيمان بالفكرة لتصبح من المسلّمات ليصعب تغييرها، سواء أكان الإعتقاد بالقيم والمبادىء أو الدين أو الذات أو الماضي أو المستقبل أو الأحداث أو القرارات أو التاريخ أو غيره لتخيلات الإنسان، ليكون الإعتقاد إيحابي أو سلبي وقناعته راسخة أو مشكوك فيها:
1. إدارة الإعتقاد والتغيير تبدأ كالعادة بمطالب معيشية لتجميع الناس حولها -وتكون واقعية ومُحقّة في بدايتها-، يتلوها تصعيد تدريجي لتكبر المطالَب رويداً رويداً وفق الحماس الجماهيري، لتصل أحياناً لمطالب غير واقعية وربما تخرج عن السيطرة أو حيّز الحرية المسؤولة أو حرية التعبير عن الرأي.
2. في زمن الربيع العربي كان لإدارة الإعتقاد وأكاديمية التغيير دور في تأجيج المواقف نحو التصعيد -ربما غير المقبول- كما حدث في كل من مصر واليمن وسوريا وليبيا وغيرها، والنتيجة كانت الخراب والدمار الشامل، فإنقلبت المطالَب المشروعة لويلات على بلادهم.
3. في إدارة الإعتقاد تكون هنالك أيادي خفيّة تعمل لجهات خارجية لها أجندات ومخططات مدروسة، فيركبون الموجة لتخرج الأمور عن السيطرة وتنقلب المطالَب الإصلاحية إلى أدوات عبث بهذه الأيادي الخفية، والخاسر يكون الوطن والشعب.
4. لوحة الفسيفساء الحضارية التي رسمها الأردنيون لمطالبهم الإصلاحية يشار لها بالبنان بإيجابيتها، وتم إيصال الرسالة المطالبية لأصحاب القرار بقائمة الإصلاحات المطلوبة، وتمت الإستجابة للمحتجين من قِبَل جلالة الملك على تغيير الحكومة والوعد لسحب أو رد مشروع قانون ضريبة الدخل، بعد حوار وطني مؤسسي حول الموضوع.
5. الخطوات التي إتخذها جلالة الملك بوقوفه في خندق الشعب للتغيير إيجابية، ووجه الحكومة الجديدة لإيجاد مشروع نهضوي شامل وحوار وطني ونمو إقتصادي وثورة بيضاء إدارية وغيرها من الإجراءات الإصلاحية.
6. أعتقد أنه آن الأوان لمنح الحكومة الجديدة فرصة للعمل وأخذ زمام المبادرة للتغيير المنشود والعمل على إصلاحات حقيقية، فالرسالة وصلت من قبل المتظاهرين، فالمطلوب الإصلاح وليس الخراب، وإلّا فإن البعض يكون يسعى لصورة سلبية عن وطنه وللخراب أو إعطاء فرصة له حتى وإن كانت بعض المطالَب الإصلاحية التي ينادون بها مشروعة.
7. الإحتكاك والمناوشات ومحاولات الإشتباك من قبل البعض بين المتظاهرين ورجال الدرك، وما حدث مع الدركي الذي يقوم بواجبه لإنفاذ القانون والذي طُعِنَ من قبل أحد المتظاهرين غير مقبول البتّة، وما كان ذلك ليكون لولا التصعيد وشد الأعصاب، فالخوف أن ينبري أحد المندسين من الخارج أو رجال الفتنة لعمل المزيد ليُفسد علينا المشهد الديمقراطي الحضاري.
8. بدء دولة الرئيس المكلَّف بمشاوراته الْيَوْمَ مع النقابات ومجلسي الأعيان والنواب والشروع بقانون ضريبة الدخل يُؤشّر لإيجابية في طروحات دولته والحكومة، وهذا مبرر كافي لمنحه فرصة الإصلاح، ولينطلق كل لمكان عمله للمساهمة في بناء هذا الوطن وإستكمال مسيرة الإنجاز.
9. مطلوب من الإخوة والأخوات المحتجّين والمتظاهرين -الذين نتوسم فيهم الخير- الشروع جدياً بمنح فرصة للحكومة الجديدة لتحقيق الممكن من الإصلاحات وخدمة المواطن، ومطلوب أن نكون جميعاً في خندق هذا الوطن للمحافظة على أمنه وإستقراره وتفويت الفرصة على المتربصين والحاقدين وغيرهم، فالجميع أبناء وطن لا يُشكّ بمواطنتهم أو إنتماءهم قيد أنملة.
بصراحة: نحتاج لصوت العقل والحكمة ومنح الحكومة الجديدة فرصة التغيير والإصلاح، ونحتاج للمحافظة على وطننا وأمنه فما جرى في محيطنا العربي درس كافٍ لنا جميعاً قبل أن نندم، فما ذنب رجال الدرك ورجال الأجهزة الأمنية كافة الذين يشاركوننا همومنا عندما نحرمهم من رؤية عائلاتهم والإفطار معهم في رمضان! فالوطن بحاجة جميع أبناءه المحترمين للمساهمة في بناءه ونماءه، فهلّا بادرنا!
صباح الوطن الجميل